الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(1) التفسير المختصر: الوصف بالكمال المطلق، والثناء بالمحاسن العليا مع المحبة، ثابت لله الذي خلق السماوات وخلق الأرض من غير مثال سابق، وخلق الليل والنهار يَتَعاقبان، فأظلم الليل، وأنار النهار، ومع هذا فالذين كفروا يُسوُّون به غيره، ويجعلونه شريكًا له. تفسير الجلالين: «الحمد» وهو الوصف الجميل ثابت «لله» وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به الثناء به أوهما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في سورة الكهف «الذي خلق السماوات والأرض» خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين «وجعل» خلق «الظلمات والنور» أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها، وهذا من دلائل وحدانيته «ثم الذين كفروا» مع قيام هذا الدليل «بربهم يعدلون» يسوون غيره في العبادة. تفسير السعدي: هذا إخبار عن حمده والثناء عليه بصفات الكمال، ونعوت العظمة والجلال عموما، وعلى هذه المذكورات خصوصا. فحمد نفسه على خلقه السماوات والأرض، الدالة على كمال قدرته، وسعة علمه ورحمته، وعموم حكمته، وانفراده بالخلق والتدبير، وعلى جعله الظلمات والنور، وذلك شامل للحسي من ذلك، كالليل والنهار، والشمس والقمر. والمعنوي، كظلمات الجهل، والشك، والشرك، والمعصية، والغفلة، ونور العلم والإيمان، واليقين، والطاعة، وهذا كله، يدل دلالة قاطعة أنه تعالى، هو المستحق للعبادة، وإخلاص الدين له، ومع هذا الدليل ووضوح البرهان ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ أي يعدلون به سواه، يسوونهم به في العبادة والتعظيم، مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال، وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه. |
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ(2) التفسير المختصر: هو سبحانه الذي خلقكم - أيها الناس - من طين حين خلق أباكم آدم عليه السلام منه، ثم ضرب سبحانه مدة لإقامتكم في الحياة الدنيا، وضرب أجلًا آخر لا يعلمه إلا هو لبَعْثكم يوم القيامة، ثم أنتم تشكّون في قدرته سبحانه على البعث. تفسير الجلالين: «هو الذي خلقكم من طين» بخلق أبيكم آدم منه «ثم قضى أجلا» لكم تموتون عند انتهائه «وأجلٌ مسمّىّ» مضروب «عنده» لبعثكم «ثم أنتم» أيها الكفار «تمترون» تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر على الإبتداء فهو على الإعادة أقدر. تفسير السعدي: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ وذلك بخلق مادتكم وأبيكم آدم عليه السلام. ثُمَّ قَضَى أَجَلًا أي: ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا، تتمتعون به وتمتحنون، وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله. لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر. وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهي: الدار الآخرة، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر. ثُمَّ مع هذا البيان التام وقطع الحجة أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ أي: تشكون في وعد الله ووعيده، ووقوع الجزاء يوم القيامة. وذكر الله الظلمات بالجمع، لكثرة موادها وتنوع طرقها. ووحد النور لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة لا تعدد فيها،، وهي: الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به، كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ |
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ(3) التفسير المختصر: وهو سبحانه المعبود بحق في السماوات والأرض، لا يخفى عليه شيء، فهو يعلم ما تخفون من النيات والأقوال والأعمال، ويعلم ما تعلنون من ذلك، وسيجازيكم عليها. تفسير الجلالين: «وهو الله» مستحق للعبادة «في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم» ما تسرون وما تجهرون به بينكم «ويعلم ما تكسبون» تعملون من خير وشرِّ. تفسير السعدي: أي: وهو المألوه المعبود في السماوات وفي الأرض، فأهل السماء والأرض، متعبدون لربهم، خاضعون لعظمته، مستكينون لعزه وجلاله، الملائكة المقربون، والأنبياء والمرسلون، والصديقون، والشهداء والصالحون. وهو تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون، فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال التي تقربكم منه، وتدنيكم من رحمته، واحذروا من كل عمل يبعدكم منه ومن رحمته. |
وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(4) التفسير المختصر: وما تأتي المشركين من حجة من عند ربهم إلا تركوها غير مبالين بها، فقد جاءتهم الحجج الواضحة والبراهين الجلية الدالة على توحيد الله، وجاءتهم الآيات الدالة على صدق رسله، ومع ذلك أعرضوا عنها غير عابئين بها. تفسير الجلالين: «وما تأتيهم» أي أهل مكة «من» زائدة «آية من آيات ربهم» من القرآن «إلا كانوا عنها معرضين». تفسير السعدي: هذا إخبار منه تعالى عن إعراض المشركين، وشدة تكذيبهم وعداوتهم، وأنهم لا تنفع فيهم الآيات حتى تحل بهم المثلات، فقال: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِم الدالة على الحق دلالة قاطعة، الداعية لهم إلى اتباعه وقبوله إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِين لا يلقون لها بالا، ولا يصغون لها سمعا، قد انصرفت قلوبهم إلى غيرها، وولوها أدبارَهم. |
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(5) التفسير المختصر: وهم إن أعرضوا عن تلك الحجج الواضحة والبراهين الجلية فقد أعرضوا عما هو أوضح، فقد كَذَّبُوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، وسيعرفون أن ما كانوا يستهزئون به مما جاءهم به هو الحق حين يرون العذاب يوم القيامة. تفسير الجلالين: «فقد كذٌبوا بالحق» بالقرآن «لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء» عواقب «ما كانوا به يستهزئون». تفسير السعدي: فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ والحق حقه أن يتبع، ويشكر الله على تيسيره لهم، وإتيانهم به، فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به فاستحقوا العقاب الشديد. فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أي: فسوف يرون ما استهزأوا به، أنه الحق والصدق، ويبين الله للمكذبين كذبهم وافتراءهم، وكانوا يستهزئون بالبعث والجنة والنار، فإذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ وقال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ |
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ(6) التفسير المختصر: ألم يعلم هؤلاء الكافرون سُنَّة الله في إهلاك الأمم الظالمة؟! فقد أهلك الله من قبلهم أممًا كثيرة أعطاهم من أسباب القوة والبقاء في الأرض ما لم يعط هؤلاء الكافرين، وأنزل عليهم الأمطار المتتابعة، وأجرى لهم الأنهار تجري من تحت مساكنهم، فعصوا الله، فأهلكهم بما ارتكبوه من المعاصي، وخلق من بعدهم أممًا أخرى. تفسير الجلالين: «ألم يروا» في أسفارهم إلى الشام وغيرها «كم» خبرية بمعنى كثيرا «أهلكنا من قبلهم من قرن» أمة من الأمم الماضية «مكَّناهم» أعطيناهم مكانا «في الأرض» بالقوة والسعة «ما لم نمكن» نعط «لكم» فيه التفات عن الغيبة «وأرسلنا السماء» المطر «عليهم مدرارا» متتابعا «وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم» تحت مساكنهم «فأهلكناهم بذنوبهم» بتكذيبهم الأنبياء «وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين». تفسير السعدي: أمرهم أن يعتبروا بالأمم السالفة فقال: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ أي: كم تتابع إهلاكنا للأمم المكذبين، وأمهلناهم قبل ذلك الإهلاك، بأن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لهؤلاء من الأموال والبنين والرفاهية. وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فينبت لهم بذلك ما شاء الله، من زروع وثمار، يتمتعون بها، ويتناولون منها ما يشتهون، فلم يشكروا الله على نعمه، بل أقبلوا على الشهوات، وألهتهم أنواع اللذات، فجاءتهم رسلهم بالبينات، فلم يصدقوها، بل ردوها وكذبوها فأهلكهم الله بذنوبهم وأنشأ مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ فهذه سنة الله ودأبه، في الأمم السابقين واللاحقين، فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم. |
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ(7) التفسير المختصر: ولو نزَّلنا عليك - أيها الرسول - كتابًا مكتوبًا في أوراق، وشاهدوه بأعينهم، وتأكدوا منه بتحسُّسِهم الكتاب بأيديهم؛ لَمَا آمنوا به جحودًا منهم وتَعَنُّتًا، ولقالوا: لا يعدو ما جئت به أن يكون سحرًا واضحًا، فلن نؤمن به. تفسير الجلالين: «ولو نزلَّنا عليك كتابا» مكتوبا «في قرطاس» رَق كما اقترحوا «فلمسوه بأيديهم» أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك «لقال الذين كفروا إن» ما «هذا إلا سحر مبين» تعنُّنا وعنادا. تفسير السعدي: هذا إخبار من الله لرسوله عن شدة عناد الكافرين، وأنه ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به، ولا لجهل منهم بذلك، وإنما ذلك ظلم وبغي، لا حيلة لكم فيه، فقال: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ وتيقنوه لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظلما وعلوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ فأي بينة أعظم من هذه البينة، وهذا قولهم الشنيع فيها، حيث كابروا المحسوس الذي لا يمكن مَن له أدنى مسكة مِن عقل دفعه؟" |
وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ(8) التفسير المختصر: وقال هؤلاء الكافرون: لو أنزل الله مع محمد ملكًا يكلمنا ويشهد أنه رسول لآمنَّا. ولو أنزلنا ملكًا على الوصف الذي أرادوا لأهلكناهم إذا لم يؤمنوا، ولا يُمْهَلُونَ للتوبة إذا نَزَلَ. تفسير الجلالين: «وقالوا لولا» هلا «أنزل عليه» على محمد صلى الله عليه وسلم «ملك» يصدقه «ولو أنزلنا ملكا» كما اقترحوا فلم يؤمنوا «لقضي الأمر» بهلاكهم «ثم لا ينظرون» يمهلون لتوبة أو معذرة كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا. تفسير السعدي: وَقَالُوا أيضا تعنتا مبنيا على الجهل، وعدم العلم بالمعقول. لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ أي: هلا أنزل مع محمد ملك، يعاونه ويساعده على ما هو عليه بزعمهم أنه بشر، وأن رسالة الله، لا تكون إلا على أيدي الملائكة. قال الله في بيان رحمته ولطفه بعباده، حيث أرسل إليهم بشرا منهم يكون الإيمان بما جاء به، عن علم وبصيرة، وغيب. وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا برسالتنا، لكان الإيمان لا يصدر عن معرفة بالحق، ولكان إيمانا بالشهادة، الذي لا ينفع شيئا وحده، هذا إن آمنوا، والغالب أنهم لا يؤمنون بهذه الحالة، فإذا لم يؤمنوا قضي الأمر بتعجيل الهلاك عليهم وعدم إنظارهم، لأن هذه سنة الله، فيمن طلب الآيات المقترحة فلم يؤمن بها، فإرسال الرسول البشري إليهم بالآيات البينات، التي يعلم الله أنها أصلح للعباد، وأرفق بهم، مع إمهال الله للكافرين والمكذبين خير لهم وأنفع، فطلبُهم لإنزال الملك شر لهم لو كانوا يعلمون، ومع ذلك، فالملك لو أنزل عليهم، وأرسل، لم يطيقوا التلقي عنه، ولا احتملوا ذلك، ولا أطاقته قواهم الفانية. |
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ(9) التفسير المختصر: ولو جعلنا المرسل إليهم ملكًا لجعلناه في صورة رجل ليتمكنوا من سماعه والتلقي عنه؛ إذ لا يستطيعون ذلك مع الملك على هيئته التي خلقه الله عليها، ولو جعلناه في صورة رجل لاشتبه عليهم أمره. تفسير الجلالين: «ولو جعلناه» أي المنزل إليهم «ملكا لجعلناه» أي الملك «رجلا» أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوَّه للبشر على رؤية الملك «و» لو أنزلناه وجعلنا رجلا «للبسنا» شبهنا «عليهم ما يلبسون» على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم. تفسير السعدي: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا لأن الحكمة لا تقتضي سوى ذلك. وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ أي: ولكان الأمر، مختلطا عليهم، وملبوسا وذلك بسبب ما لبسوه على أنفسهم، فإنهم بنوا أمرهم على هذه القاعدة التي فيها اللبس، وبها عدم بيان الحق. فلما جاءهم الحق، بطرقه الصحيحة، وقواعده التي هي قواعده، لم يكن ذلك هداية لهم، إذا اهتدى بذلك غيرهم، والذنب ذنبهم، حيث أغلقوا على أنفسهم باب الهدى، وفتحوا أبواب الضلال. |
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(10) التفسير المختصر: فإنْ يستهزئ هؤلاء بطلبهم إنزال ملك معك فقد استهزأت أمم من قبلك برسلها، فأحاط بهم العذاب الذي كانوا ينكرونه ويستهزئون به عند تخويفهم منه. تفسير الجلالين: «ولقد استُهزئ برسل من قبلك» فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم «فحاق» نزل «بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون» وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك. تفسير السعدي: يقول تعالى مسليا لرسوله ومصبرا، ومتهددا أعداءه ومتوعدا. وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ لما جاءوا أممهم بالبينات، كذبوهم واستهزأوا بهم وبما جاءوا به. فأهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب، ووفى لهم من العذاب أكمل نصيب. فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فاحذروا -أيها المكذبون- أن تستمروا على تكذيبكم، فيصيبكم ما أصابهم. |
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهؤلاء المكذبين المستهزئين: سيروا في الأرض، ثم تأملوا كيف كانت نهاية المكذبين لرسل الله، فقد حل بهم عقاب الله بعدما كانوا فيه من القوة والمنعة. تفسير الجلالين: «قل» لهم «سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين» الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا. تفسير السعدي: فإن شككتم في ذلك، أو ارتبتم، فسيروا في الأرض، ثم انظروا، كيف كان عاقبة المكذبين، فلن تجدوا إلا قوما مهلكين، وأمما في المثلات تالفين، قد أوحشت منهم المنازل، وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل، أبادهم الملك الجبار، وكان بناؤهم عبرة لأولي الأبصار. وهذا السير المأمور به، سير القلوب والأبدان، الذي يتولد منه الاعتبار. وأما مجرد النظر من غير اعتبار، فإن ذلك لا يفيد شيئا. |
قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(12) التفسير المختصر: قل لهم - أيها الرسول -: لمن مُلْكُ السماوات ومُلْكُ الأرض ومُلْكُ ما بينهما؟ قل: مُلْكُهَا كلها لله، كتب على نفسه الرحمة تفضُّلًا منه على عباده، فلا يعاجلهم بالعقوبة، حتى إذا لم يتوبوا جمعهم جميعًا يوم القيامة، هذا اليوم الذي لا شك فيه. الذين خسروا أنفسهم بالكفر بالله لا يؤمنون فينقذوا أنفسهم من الخسران. تفسير الجلالين: «قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله» إن لم يقولوه لا جواب غيره «كتب على نفسه» قضى على نفسه «الرحمة» فضلا منه وفيه تلطف في دعائهم إلى الإيمان «لَيجمعنكم إلى يوم القيامة» ليجازيكم بأعمالكم «لا ريب» شك «فيه الذين خسروا أنفسهم» بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره «فهم لا يؤمنون». تفسير السعدي: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ لهؤلاء المشركين بالله، مقررا لهم وملزما بالتوحيد: لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي: مَن الخالق لذلك، المالك له، المتصرف فيه؟ قُلْ لهم: لِلَّهِ وهم مقرون بذلك لا ينكرونه، أفلا حين اعترفوا بانفراد الله بالملك والتدبير، أن يعترفوا له بالإخلاص والتوحيد؟". وقوله كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي: العالم العلوي والسفلي تحت ملكه وتدبيره، وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته وإحسانه، وتغمدهم برحمته وامتنانه، وكتب على نفسه كتابا أن رحمته تغلب غضبه، وأن العطاء أحب إليه من المنع، وأن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة، إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم، ودعاهم إليها، إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم، وقوله لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وهذا قسم منه، وهو أصدق المخبرين، وقد أقام على ذلك من الحجج والبراهين، ما يجعله حق اليقين، ولكن أبى الظالمون إلا جحودا، وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق، فأوضعوا في معاصيه، وتجرءوا على الكفر به، فخسروا دنياهم وأخراهم، ولهذا قال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ |
۞ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13) التفسير المختصر: ولله وحده ملك كل شيء، مما استقر في الليل والنهار، وهو السميع لأقوالهم، العليم بأفعالهم، وسيجازيهم عليها. تفسير الجلالين: «وله» تعالى «ما سكن» حلُ «في الليل والنهار» أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه «وهو السميع» لما يقال «العليم» بما يفعل. تفسير السعدي: اعلم أن هذه السورة الكريمة، قد اشتملت على تقرير التوحيد، بكل دليل عقلي ونقلي، بل كادت أن تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. فهذه الآيات، ذكر الله فيها ما يتبين به الهدى، وينقمع به الشرك. فذكر أن لَهُ تعالى مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وذلك هو المخلوقات كلها، من آدميها، وجِنِّها، وملائكتها، وحيواناتها وجماداتها، فالكل خلق مدبرون، وعبيد مسخرون لربهم العظيم، القاهر المالك، فهل يصح في عقل ونقل، أن يعبد مِن هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الإخلاص للخالق، المدبر المالك، الضار النافع؟! أم العقول السليمة، والفطر المستقيمة، تدعو إلى إخلاص العبادة، والحب، والخوف، والرجاء لله رب العالمين؟!. السَّمِيعُ لجميع الأصوات، على اختلاف اللغات، بتفنن الحاجات. الْعَلِيمُ بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، المطلع على الظواهر والبواطن؟!. |
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(14) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - للمشركين الذين يعبدون مع الله غيره من الأصنام وغيرها: أَيُعْقل أن أتخذ غير الله ناصرًا أُوالِيه وأستنصره؟! وهو الذي خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق، فلم يُسْبَقْ إلى خلقهما، وهو الذي يرزق من يشاء من عباده، ولا أحد من عباده يرزقه، فهو الغني عن عباده، وعباده مفتقرون إليه، قل - أيها الرسول -: إني أمرني ربي سبحانه أن أكون أول من انقاد لله وخضع له من هذه الأمة، ونهاني أن أكون من الذين يشركون معه غيره. تفسير الجلالين: «قل» لهم «أغير الله أتَّخذ وليّاً» أعبده «فاطر السماوات والأرض» مبدعهما «وهو يُطعم» يرزق «ولا يُطعم» يُرزق «قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم» لله من هذه الأمة «و» قيل لي «لا تكوننَّ من المشركين» به. تفسير السعدي: قُلْ لهؤلاء المشركين بالله: أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا من هؤلاء المخلوقات العاجزة يتولاني، وينصرني؟!. فلا أتخذ من دونه تعالى وليا، لأنه فاطر السماوات والأرض، أي: خالقهما ومدبرهما. وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ أي: وهو الرزاق لجميع الخلق، من غير حاجة منه تعالى إليهم، فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرزاق، الغني الحميد؟" قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لله بالتوحيد، وانقاد له بالطاعة، لأني أولى من غيري بامتثال أوامر ربي. وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي: ونهيت أيضا، عن أن أكون من المشركين، لا في اعتقادهم، ولا في مجالستهم، ولا في الاجتماع بهم، فهذا أفرض الفروض عليَّ، وأوجب الواجبات. |
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول -: إني أخاف إن عصيت الله بارتكاب ما حَرَّمَ علي من الشرك وغيره، أو تَرْكِ ما أمرني به من الإيمان وغيره من الطاعات، أن يعذبني عذابًا عظيمًا يوم القيامة. تفسير الجلالين: «قل إني أخاف إن عصيت ربي» بعبادة غيره «عذاب يوم عظيم» هو يوم القيامة. تفسير السعدي: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فإن المعصية في الشرك توجب الخلود في النار، وسخطَ الجبار. وذلك اليوم هو اليوم الذي يُخاف عذابه، ويُحذر عقابه؛ لأنه مَن صُرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم، ومن نجا فيه فهو الفائز حقا، كما أن من لم ينج منه فهو الهالك الشقي. |
مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ(16) التفسير المختصر: مَن يُبْعِد الله عنه ذلك العذاب يوم القيامة، فقد فاز برحمة الله له، وتلك النجاة عن العذاب هي الفوز الواضح الذي لا يُدَانيه فوز. تفسير الجلالين: «من يُصرف» بالبناء للمفعول أي العذاب وللفاعل أي الله والعائد محذوف «عنه يومئذ فقد رحمه» تعالى أي أراد له الخير «وذلك الفوز المبين» النجُاة الظاهرة. تفسير السعدي: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فإن المعصية في الشرك توجب الخلود في النار، وسخطَ الجبار. وذلك اليوم هو اليوم الذي يُخاف عذابه، ويُحذر عقابه؛ لأنه مَن صُرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم، ومن نجا فيه فهو الفائز حقا، كما أن من لم ينج منه فهو الهالك الشقي. |
وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(17) التفسير المختصر: وإن يَنَلْكَ - يا ابن آدم - من الله بلاء فلا دافع للبلاء عنك إلا الله، وإن يَنَلْكَ منه خير فلا مانع له من ذلك، ولا رَادَّ لفضله، فهو القادر على كل شيء، لا يعجزه شيء. تفسير الجلالين: «وإن يمسسك الله بضر» بلاء كمرض وفقر «فلا كاشف» رافع «له إلا هو وإن يمسسك بخير» كصحة وغنىّ «فهو على كل شىء قدير» ومنه مسُّك به ولا يقدر على ردِّه عنك غيره. تفسير السعدي: ومن أدلة توحيده، أنه تعالى المنفرد بكشف الضراء، وجلب الخير والسراء. ولهذا قال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أو هم أو نحوه. فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فإذا كان وحده النافع الضار، فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية. |
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(18) التفسير المختصر: وهو الغالب على عباده المذلِّل لهم، العالي عليهم من كل وجه الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه أحد، الجميع له خاضعون، فوق عباده كما يليق به سبحانه، وهو الحكيم في خلقه وتدبيره وشرعه، الخبير فلا يخفى عليه شيء. تفسير الجلالين: «وهو القاهر» القادر الذي لا يعجزه شيء مستعليا «فوق عباده وهو الحكيم» في خلقه «الخبير» ببواطنهم كظواهرهم. تفسير السعدي: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ فلا يتصرف منهم متصرف، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، إلا بمشيئته، وليس للملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه، بل هم مدبرون مقهورون، فإذا كان هو القاهر وغيره مقهورا، كان هو المستحق للعبادة. وَهُوَ الْحَكِيمُ فيما أمر به ونهى، وأثاب، وعاقب، وفيما خلق وقدر. الْخَبِيرُ المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الأمور، وهذا كله من أدلة التوحيد. |
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(19) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - للمشركين المكذبين بك: أي شيء أجلّ وأعظم شهادة على صدقي؟ قل: الله أَجَلُّ شيء وأعظم شهادة على صدقي، هو شهيد بيني وبينكم، يعلم ما جئتكم به، وما ستردون به، وقد أوحى الله إليّ هذا القرآن لأُخَوِّفَكُم به، وأُخَوِّفَ به من بلغه من الإنس والجن، إنكم - أيها المشركون- تؤمنون أن مع الله معبودات أخرى، قل - أيها الرسول -: لا أشهد على ما أقررتم به لبطلانه، إنما الله إله واحد لا شريك له، وإني بريء من كل ما تشركونه معه. تفسير الجلالين: ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إئتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك «قل» لهم «أيُّ شيءٍ أكبر شهادة» تمييز محول عن المبتدأ «قل اللهُ» إن لم يقولوه لا جواب غيره، وهو «شهيد بيني وبينكم» على صدقي «وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم» أخوفكم يا أهل مكة «به ومن بلغ» عطف على ضمير أنذركم أي بلغة القرآن عن الأنس والجن «أئنَّكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى» إستفهام إنكاري «قل» لهم «لا أشِهدُ» بذلك «قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون» معه من الأصنام. تفسير السعدي: قُلْ لهم -لما بينا لهم الهدى، وأوضحنا لهم المسالك-: أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً على هذا الأصل العظيم. قُلِ اللَّهُ أكبر شهادة، فهو شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فلا أعظم منه شهادة، ولا أكبر، وهو يشهد لي بإقراره وفعله، فيقرني على ما قلت لكم، كما قال تعالى وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فالله حكيم قدير، فلا يليق بحكمته وقدرته أن يقر كاذبا عليه، زاعما أن الله أرسله ولم يرسله، وأن الله أمره بدعوة الخلق ولم يأمره، وأن الله أباح له دماء من خالفه، وأموالهم ونساءهم، وهو مع ذلك يصدقه بإقراره وبفعله، فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة، وينصره، ويخذل من خالفه وعاداه، فأي: شهادة أكبر من هذه الشهادة؟" وقوله: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أي وأوحى الله إليَّ هذا القرآن الكريم لمنفعتكم ومصلحتكم، لأنذركم به من العقاب الأليم. والنذارة إنما تكون بذكر ما ينذرهم به، من الترغيب، والترهيب، وببيان الأعمال، والأقوال، الظاهرة والباطنة، التي مَن قام بها، فقد قبل النذارة، فهذا القرآن، فيه النذارة لكم أيها المخاطبون، وكل من بلغه القرآن إلى يوم القيامة، فإن فيه بيان كل ما يحتاج إليه من المطالب الإلهية. لما بيّن تعالى شهادته التي هي أكبر الشهادات على توحيده، قال: قل لهؤلاء المعارضين لخبر الله، والمكذبين لرسله أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ أي: إن شهدوا، فلا تشهد معهم. فوازِنْ بين شهادة أصدق القائلين، ورب العالمين، وشهادة أزكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة، على توحيد الله وحده لا شريك له، وشهادة أهل الشرك، الذين مرجت عقولهم وأديانهم، وفسدت آراؤهم وأخلاقهم، وأضحكوا على أنفسهم العقلاء. بل خالفوا بشهادة فطرهم، وتناقضت أقوالهم على إثبات أن مع الله آلهة أخرى، مع أنه لا يقوم على ما قالوه أدنى شبهة، فضلا عن الحجج، واختر لنفسك أي: الشهادتين، إن كنت تعقل، ونحن نختار لأنفسنا ما اختاره الله لنبيه، الذي أمرنا الله بالاقتداء به، فقال: قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ أي: منفرد، لا يستحق العبودية والإلهية سواه، كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير. وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ به، من الأوثان، والأنداد، وكل ما أشرك به مع الله. فهذا حقيقة التوحيد، إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه. |
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(20) التفسير المختصر: اليهود الذين أعطيناهم التوراة والنصارى الذين أعطيناهم الإنجيل يعرفون النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، كما يعرفون أبناءهم من أبناء غيرهم، فأولئك الذين خسروا أنفسهم بإدخالها النار، فهم لا يؤمنون. تفسير الجلالين: «الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه» أي محمدا بنعته في كتابهم «كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم» منهم «فهم لا يؤمنون» به. تفسير السعدي: لما بيَّن شهادته وشهادة رسوله على التوحيد، وشهادةَ المشركين الذين لا علم لديهم على ضده، ذكر أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى. يَعْرِفُونَهُ أي: يعرفون صحة التوحيد كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ أي: لا شك عندهم فيه بوجه، كما أنهم لا يشتبهون بأولادهم، خصوصا البنين الملازمين في الغالب لآبائهم. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أهل الكتاب لا يشتبهون بصحة رسالته ولا يمترون بها، لما عندهم من البشارات به، ونعوته التي تنطبق عليه ولا تصلح لغيره، والمعنيان متلازمان. قوله الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي: فوتوها ما خلقت له، من الإيمان والتوحيد، وحرموها الفضل من الملك المجيد فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فإذا لم يوجد الإيمان منهم، فلا تسأل عن الخسار والشر، الذي يحصل لهم. |
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(21) التفسير المختصر: لا أحد أعظم ظلمًا ممن نسب لله شريكًا، فعبده معه، أو كَذَّبَ بآياته التي أنزلها على رسوله، إن الظالمين بنسبة الشريك إلى الله وتكذيب آياته لا يفوزون أبدًا إن لم يتوبوا. تفسير الجلالين: «ومن» أي لا أحد «أظلم ممن افترى على الله كذبا» بنسبه الشريك إليه «أو كذَّب بآياته» القرآن «إنه» أي الشأن «لا يفلح الظالمون» بذلك. تفسير السعدي: أي: لا أعظم ظلما وعنادا، ممن كان فيه أحد الوصفين، فكيف لو اجتمعا، افتراء الكذب على الله، أو التكذيب بآياته، التي جاءت بها المرسلون، فإن هذا أظلم الناس، والظالم لا يفلح أبدا. ويدخل في هذا، كل من كذب على الله، بادعاء الشريك له والعوين، أو [زعم] أنه ينبغي أن يعبد غيره أو اتخذ له صاحبة أو ولدا، وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل أو مَنْ قام مقامهم. |
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(22) التفسير المختصر: واذكر يوم القيامة حين نجمعهم جميعًا، لا نغادر منهم أحدًا، ثم نقول للذين عبدوا مع الله غيره توبيخًا لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تَدَّعُون كاذبين أنهم شركاء لله؟! تفسير الجلالين: «و» اذكر «يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا» توبيخا «أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون» أنهم شركاء الله. تفسير السعدي: يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة، وأنهم يسألون ويوبخون فيقال لهم أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي إن الله ليس له شريك، وإنما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء. |
ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ(23) التفسير المختصر: ثم لم يكن اعتذارهم بعد هذا الاختبار إلا أن تبرّؤوا من معبوداتهم، وقالوا كذبًا: والله ربنا ما كنا في الدنيا مشركين بك، بل كنا مؤمنين بك، موحدين لك. تفسير الجلالين: «ثم لم تكن» بالتاء والياء «فتنتّهم» بالنصب والرفع أي معذرتهم «إلا أن قالوا» أي قولهم «والله ربِّنا» بالجر نعت والنصب نداء «ما كنا مشركين». تفسير السعدي: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ أي: لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال، إلا إنكارهم لشركهم وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين. |
انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(24) التفسير المختصر: انظر - يا محمد - كيف كَذَبَ هؤلاء على أنفسهم بنفيهم الشرك عن أنفسهم، وغاب عنهم وخذلهم ما كانوا يختلقونه من الشركاء مع الله في حياتهم الدنيا؟! تفسير الجلالين: قال تعال: «أنظر» يا محمد «كيف كذبوا على أنفسهم» بنفي الشرك عنهم «وضلَّ» غاب «عنهم ما كانوا يفترونـ» ـه على الله من الشركاء. تفسير السعدي: انْظُرْ متعجبا منهم ومن أحوالهم كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أي: كذبوا كذبا عاد بالخسار على أنفسهم وضرهم-والله- غاية الضرر وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ من الشركاء الذين زعموهم مع الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. |
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(25) التفسير المختصر: ومن المشركين من يستمع إليك - أيها الرسول - إذا قرأت القرآن، لكنهم لا ينتفعون بما يستمعون إليه؛ لأنا جعلنا على قلوبهم أغطية حتى لا يفقهوا القرآن، بسبب عنادهم وإعراضهم، وجعلنا في آذانهم صَمَمًا عن السماع النافع، ومهما يروا من الدلالات الواضحة والحجج الجلية لا يؤمنوا بها، حتى إذا جاؤوك يخاصمونك في الحق بالباطل يقولون: ليس الذي جئت به إلا مأخوذًا عن كتب الأوائل. تفسير الجلالين: «ومنهم من يستمع إليك» إذا قرأت «وجعلنا على قلوبهم أكنة» أغطية لـ «أن» لا «يفقهوه» يفهموا القرآن «وفي آذانهم وقرا» صما فلا يسمعونه سماع قبول «وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءُوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن» ما «هذا» القرآن «إلا أساطير» أكاذيب «الأولين» كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم. تفسير السعدي: أي: ومن هؤلاء المشركين، قوم يحملهم بعضَ الأوقات، بعضُ الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه، ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع، لعدم إرادتهم للخير وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: أغطية وأغشية، لئلا يفقهوا كلام الله، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. وَفِي آذَانِهِمْ جعلنا وَقْرًا أي: صمما، فلا يستمعون ما ينفعهم. وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وهذا غاية الظلم والعناد، أن الآيات البينات الدالة على الحق، لا ينقادون لها، ولا يصدقون بها، بل يجادلون بالباطل الحقَّ ليدحضوه. ولهذا قال: حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي: مأخوذ من صحف الأولين المسطورة، التي ليست عن الله، ولا عن رسله. وهذا من كفرهم، وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباءالسابقين واللاحقين، والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون، والحق، والقسط، والعدل التام من كل وجه، أساطيرَ الأولين؟. |
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(26) التفسير المختصر: وهم ينهون الناس عن الإيمان بالرسول، ويبتعدون عنه، فلا يتركون من ينتفع به، ولا ينتفعون هم به، وما يُهلكون بصنيعهم هذا إلا أنفسهم، وما علموا أن ما يقومون به إهلاك لها. تفسير الجلالين: «وهم ينهون» الناس «عنه» عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم «وينأون» يتباعدون «عنه» فلا يؤمنون به، وقيل: نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذاه ولا يؤمن به «وإن» ما «يهلكون» بالنأي عنه «إلا أنفسهم» لأن ضرره عليهم «وما يشعرون» بذلك. تفسير السعدي: وهم: أي المشركون بالله، المكذبون لرسوله، يجمعون بين الضلال والإضلال، ينهون الناس عن اتباع الحق، ويحذرونهم منه، ويبعدون بأنفسهم عنه، ولن يضروا الله ولا عباده المؤمنين، بفعلهم هذا، شيئا. وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ بذلك. |
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(27) التفسير المختصر: ولو ترى - أيها الرسول - حين يُعْرَضون يوم القيامة على النار، فيقولون تحسُّرًا: يا ليتنا نُرَدُّ إلى الحياة الدنيا، ولا نُكَذِّبَ بآيات الله، ونَكُونَ من المؤمنين بالله - لرأيت عَجَبًا من سوء حالهم. تفسير الجلالين: «ولو ترى» يا محمد «إذ وُقفوا» عرضوا «على النار فقالوا يا» للتنبيه «ليتنا نردُّ» إلى الدنيا «ولا نكذِّبُ بآيات ربنا ونكونُ من المؤمنين» برفع الفعلين إستئنافا ونصبهما في جواب التمني ورفع الأول ونصب الثاني وجواب لو رأيت أمرا عظيما. تفسير السعدي: يقول تعالى -مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة، وإحضارهم النار:. وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ليوبخوا ويقرعوا، لرأيت أمرا هائلا، وحالا مفظعة. ولرأيتهم كيف أقروا على أنفسهم بالكفر والفسوق، وتمنوا أن لو يردون إلى الدنيا. فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ |
بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(28) التفسير المختصر: ليس الأمر كما قالوا من أنهم لو رُدُّوا لآمنوا، بل ظهر لهم ما كانوا يسترون من قولهم: (والله ربنا ما كنا مشركين)، حين شهدت عليهم جوارحهم، ولو قُدِّرَ أنهم رجعوا إلى الدنيا لرجعوا إلى ما نهوا عنه من الكفر والشرك، وإنهم لكاذبون في وعدهم بالإيمان إذا رجعوا. تفسير الجلالين: قال تعالى: «بل» للإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني «بدا» ظهر «لهم ما كانوا يخفون من قبل» يكتمون بقولهم (والله ربنا ما كنا مشركين) شهادة جوارحهم فتمنوا ذلك «ولو ردوا» إلى الدنيا فرضا «لعادوا لما نُهوا عنه» من الشرك «وإنهم لكاذبون» في وعدهم بالإيمان. تفسير السعدي: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم، أنهم كانوا كاذبين، ويَبدو في قلوبهم في كثير من الأوقات. ولكن الأغراض الفاسدة، صدتهم عن ذلك، وصرفت قلوبهم عن الخير، وهم كذبة في هذه الأمنية، وإنما قصدهم، أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب. وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ |
وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(29) التفسير المختصر: وقال هؤلاء المشركون: لا حياة إلا الحياة التي نحن فيها، ولسنا مبعوثين للحساب. تفسير الجلالين: «وقالوا» أي منكر والبعث «إن» ما «هي» أي الحياة «إلا حياتنا الدنيا ومانحن بمبعوثين». تفسير السعدي: وَقَالُوا منكرين للبعث إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا أي: ما حقيقة الحال والأمر وما المقصود من إيجادنا، إلا الحياة الدنيا وحدها. وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ |
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(30) التفسير المختصر: ولو ترى - أيها الرسول - حين أُوقِفَ منكرو البعث بين يدي ربهم لرأيت العجب من سوء حالهم حين يقول لهم الله: أليس هذا البعث الذي كنتم تكذبون به حقًّا ثابتًا لا مرية فيه ولا شك؟! قالوا: أقسمنا بربنا الذي خلقنا إنه لحق ثابت لا شك فيه، فيقول لهم الله عند ذلك: فذوقوا العذاب بسبب كفركم بهذا اليوم؛ فكنتم به تكذبون في الحياة الدنيا. تفسير الجلالين: «ولو ترى إذ وقفوا» عرضوا «على ربِّهم» لرأيت أمرا عظيما «قال» لهم على لسان الملائكة توبيخا «أليس هذا» البعث والحساب «بالحق قالوا بلى وربِّنا» إنه لحق «قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» به في الدنيا. تفسير السعدي: أي: وَلَوْ تَرَى الكافرين إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ لرأيت أمرا عظيما، وهَوْلًا جسيما، قَالَ لهم موبخا ومقرعا: أَلَيْسَ هَذَا الذي ترون من العذاب بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا فأقروا، واعترفوا حيث لا ينفعهم ذلك، قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ |
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ(31) التفسير المختصر: قد خسر الذين كَذَّبُوا بالبعث يوم القيامة واستبعدوا الوقوف بين يدي الله، حتى إذا جاءتهم الساعة فجأة من غير سابق علم قالوا من شدة الندم: يا لحسرتنا وخيبة أملنا لِمَا قَصَّرْنَا في جنب الله من الكفر به وعدم الاستعداد ليوم القيامة، وهم يحملون سيئاتهم فوق ظهورهم، ألا قَبُحَ ما يحملون من تلك السيئات. تفسير الجلالين: «قد خسر الذين كذَّبوا بلقاء الله» بالبعث «حتى» غاية للتكذيب «إذا جاءتهم الساعة» القيامة «بغتة» فجأة «قالوا يا حسرتنا» هي شدة التألم ونداؤها مجاز أي هذا أوانك فاحضري «على ما فرَّطنا» قصَّرنا «فيها» أي الدنيا «وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم» بأن تأتيهم عند البعث في أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فتركبهم «ألا ساء» بئس «ما يزرون» يحملونه حملهم ذلك. تفسير السعدي: أي: قد خاب وخسر، وحرم الخير كله، من كذب بلقاء الله، فأوجب له هذا التكذيب، الاجتراء على المحرمات، واقتراف الموبقات حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ وهم على أقبح حال وأسوئه، فأظهروا غاية الندم. و قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ولكن هذا تحسر ذهب وقته، وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ فإن وزرهم وزر يثقلهم، ولا يقدرون على التخلص منه، ولهذا خلدوا في النار، واستحقوا التأبيد في غضب الجبار. |
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(32) التفسير المختصر: وليست الحياة الدنيا التي تركنون إليها إلا لعبًا وغرورًا لمن لا يعمل فيها بما يرضي الله، وأما الدار الآخرة فهي خير للذين يتقون الله بفعل ما أمر به من الإيمان والطاعة، وتَرْكِ ما نهى عنه من الشرك والمعصية، أفلا تعقلون - أيها المشركون - ذلك؟! فتؤمنوا وتعملوا الصالحات. تفسير الجلالين: «وما الحياة الدنيا» أي الاشتغال بها «إلا لعب ولهو» وأما الطاعة وما يعين عليها فمن أمور الآخرة «وللدَّار الاخرةُ» وفي قراءة ولدار الآخرة أي الجنة «خير للذين يتقون» الشرك «أفلا يعقلون» بالياء والتاء ذلك فيؤمنون. تفسير السعدي: هذه حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، أما حقيقة الدنيا فإنها لعب ولهو، لعب في الأبدان ولهو في القلوب، فالقلوب لها والهة، والنفوس لها عاشقة، والهموم فيها متعلقة، والاشتغال بها كلعب الصبيان. وأما الآخرة، فإنها خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ في ذاتها وصفاتها، وبقائها ودوامها، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من نعيم القلوب والأرواح، وكثرة السرور والأفراح، ولكنها ليست لكل أحد، وإنما هي للمتقين الذين يفعلون أوامر الله، ويتركون نواهيه وزواجره أَفَلَا تَعْقِلُونَ أي: أفلا يكون لكم عقول، بها تدركون، أيّ الدارين أحق بالإيثار. |
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ(33) التفسير المختصر: نحن نعلم أنك - أيها الرسول - يحزنك تكذيبهم لك في الظاهر، فاعلم أنهم لا يكذبونك في أنفسهم؛ لعلمهم بصدقك وأمانتك، ولكنهم قوم ظالمون ينكرون أمرك ظاهرًا وهم يوقنون به في أنفسهم. تفسير الجلالين: «قد» للتحقيق «نعلم إنه» أي الشأن «ليحزنك الذي يقولون» لك من التكذيب «فإنهم لا يكذِّبونك» في السر لعلمهم أنك صادق وفي قراءة بالتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب «ولكن الظالمين» وضعه موضع المضمر «يآيات الله» القرآن «يجحدون» يكذبون. تفسير السعدي: أي: قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوءك، ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية. فلا تظن أن قولهم صادر عن اشتباه في أمرك، وشك فيك. فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ لأنهم يعرفون صدقك، ومدخلك ومخرجك، وجميع أحوالك، حتى إنهم كانوا يسمونه -قبل البعثة- الأمين. وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ أي: فإن تكذيبهم لآيات الله التي جعلها الله على يديك . |
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ(34) التفسير المختصر: ولا تحسب أن هذا التكذيب خاص بما جئت به، فقد كُذِّبَتْ رسل من قبلك، وآذاهم أقوامهم، فواجهوا ذلك بالصبر على الدعوة والجهاد في سبيل الله حتى جاءهم النصر من الله، ولا مُبدِّل لما كتبه الله من النصر، ووعد به رسله، ولقد جاءك - أيها الرسول - من أخبار من قبلك من الرسل وما لاقوه من أقوامهم وما حباهم الله من النصر على أعدائهم بإهلاكهم. تفسير الجلالين: «ولقد كذِّبت رسل من قبلك» فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم «فصبروا على ما كذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا» بإهلاك قومهم فاصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك قومك «ولا مبدِّل لكلمات الله» مواعيده «ولقد جاءك من نبأ المرسلين» ما يسكن به قلبك. تفسير السعدي: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا. وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ما به يثبت فؤادك، ويطمئن به قلبك. |
وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ(35) التفسير المختصر: وإن كان شق عليك - أيها الرسول - ما تلاقيه من تكذيبهم وإعراضهم عما جئتهم به من الحق، فإن استطعت أن تطلب نفقًا في الأرض أو مِصْعَدًا إلى السماء فتأتيهم بحجة وبرهان غير الذي أيدناك به فافعل، ولو شاء الله جمْعَهم على الهدى الذي جئت به لَجَمَعَهُم، لكنه لم يشأ ذلك لحكمة بالغة، فلا تكوننَّ من الجاهلين بذلك، فتذهب نفسك حسرات على أنهم لم يؤمنوا. تفسير الجلالين: «وإن كان كبر» عظم «عليك إعراضهم» عن الإسلام لحرصك عليهم «فإن استطعت أن تبتغى نفقا» سربا «في الأرض أو سلَّما» مصعدا «في السماء فتأتيهم بآية» مما اقترحوا فافعل، المعنى أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله، «ولو شاء الله» هدايتهم «لجمعهم على الهدى» ولكن لو لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا «فلا تكوننَّ من الجاهلين» بذلك. تفسير السعدي: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ أي: شق عليك، من حرصك عليهم، ومحبتك لإيمانهم، فابذل وسعك في ذلك، فليس في مقدورك، أن تهدي من لم يرد الله هدايته. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ أي: فافعل ذلك، فإنه لا يفيدهم شيئا، وهذا قطع لطمعه في هدايته أشباه هؤلاء المعاندين. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ولكن حكمته تعالى، اقتضت أنهم يبقون على الضلال. فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ الذين لا يعرفون حقائق الأمور، ولا ينزلونها على منازلها. |
۞ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ(36) التفسير المختصر: إنما يجيبك قابلًا ما جئت به من يسمعون الكلام ويفهمونه، والكفار موتى لا شأن لهم، فقد ماتت قلوبهم، والموتى يبعثهم الله يوم القيامة، ثم إليه وحده يرجعون ليجازيهم على ما قدموا. تفسير الجلالين: «إنَّما يستجيب» دعاءك إلى الإيمان «الذين يسمعون» سمع تفهُّم واعتبار «و الموتى» أي الكفار شبههم بهم في عدم السماع «يبعثهم الله» في الآخرة «ثم إليه يرجعون» يُردون فيجازيهم بأعمالهم. تفسير السعدي: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ لدعوتك، ويلبي رسالتك، وينقاد لأمرك ونهيك الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بقلوبهم ما ينفعهم، وهم أولو الألباب والأسماع. والمراد بالسماع هنا: سماع القلب والاستجابة، وإلا فمجرد سماع الأذن، يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى، باستماع آياته، فلم يبق لهم عذر، في عدم القبول. وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ يحتمل أن المعنى، مقابل للمعنى المذكور. أي: إنما يستجيب لك أحياء القلوب، وأما أموات القلوب، الذين لا يشعرون بسعادتهم، ولا يحسون بما ينجيهم، فإنهم لا يستجيبون لك، ولا ينقادون، وموعدهم القيامة، يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، ويحتمل أن المراد بالآية، على ظاهرها، وأن الله تعالى يقرر المعاد، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا، متضمنا للترغيب في الاستجابة لله ورسوله، والترهيب من عدم ذلك. |
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(37) التفسير المختصر: وقال المشركون مُتَعَنِّتينَ ومُماطِلين بالإيمان: هلَّا أُنزِل على محمد آية خارقة تكون برهانًا من ربه على صدقه فيما جاء به؟ قل - أيها الرسول -: إن الله قادر على تنزيل آية حسبما يريدون، ولكن أكثر هؤلاء المشركين المطالبين بإنزال آية لا يعلمون أن إنزال الآيات يكون وفق حكمته تعالى، وليس وفق ما يطالبون به، فلو أنزلها ثم لم يؤمنوا لأهلكهم. تفسير الجلالين: «وقالوا» أي كفار مكة «لولا» هلا «نزَّل عليه آية من ربه» كالناقة والعصا والمائدة «قل» لهم «إن الله قادر على أن ينزِّل» بالتشديد والتخفيف «آية» مما اقترحوا «ولكن أكثرهم لا يعلمون» أن نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها. تفسير السعدي: وَقَالُوا أي: المكذبون بالرسول، تعنتا وعنادا: لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنون بذلك آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة. كقولهم: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا *أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا الآيات. قُلْ مجيبا لقولهم: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً فليس في قدرته قصور عن ذلك، كيف، وجميع الأشياء منقادة لعزته، مذعنة لسلطانه؟! ولكن أكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الآيات، التي لو جاءتهم، فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب، كما هي سنة الله، التي لا تبديل لها، ومع هذا، فإن كان قصدهم الآيات التي تبين لهم الحق، وتوضح السبيل، فقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم، بكل آية قاطعة، وحجة ساطعة، دالة على ما جاء به من الحق، بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين، أن يجد فيما جاء به عدة أدلة عقلية ونقلية، بحيث لا تبقي في القلوب أدنى شك وارتياب، فتبارك الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأيده بالآيات البينات ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم. |
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38) التفسير المختصر: وما من حيوان يتحرك فوق الأرض، ولا طائر يطير في السماء إلا أجناس مثلكم - يا بني آدم - في الخلق والرزق، ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه، والجميع علمهم عند الله، ثم إلى ربهم وحده يوم القيامة يجمعون لفصل القضاء، فيجازي كلًّا بما يستحقه. تفسير الجلالين: «وما من» زائدة «دابة» تمشي «في الأرض ولا طائر يطير» في الهواء «بجناحيه إلا أمم أمثالكم» في تدبير خلقها ورزقها وأحوالها «ما فرطنا» تركنا «في الكتاب» اللوح المحفوظ «من» زائدة «شىء» فلم نكتبه «ثم إلى ربهم يحشرون» بينهم ويقتص للجماء من القرناه ثم يقول لهم كونوا ترابا. تفسير السعدي: أي: جميع الحيوانات، الأرضية والهوائية، من البهائم والوحوش والطيور، كلها أمم أمثالكم خلقناها. كما خلقناكم، ورزقناها كما رزقناكم، ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا، كما كانت نافذة فيكم. مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ أي: ما أهملنا ولا أغفلنا، في اللوح المحفوظ شيئا من الأشياء، بل جميع الأشياء، صغيرها وكبيرها، مثبتة في اللوح المحفوظ، على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم. وفي هذه الآية، دليل على أن الكتاب الأول، قد حوى جميع الكائنات، وهذا أحد مراتب القضاء والقدر، فإنها أربع مراتب: علم الله الشامل لجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الموجودات، ومشيئته وقدرته النافذة العامة لكل شيء، وخلقه لجميع المخلوقات، حتى أفعال العباد. ويحتمل أن المراد بالكتاب، هذا القرآن، وأن المعنى كالمعنى في قوله تعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وقوله ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ أي: جميع الأمم تحشر وتجمع إلى الله في موقف القيامة، في ذلك الموقف العظيم الهائل، فيجازيهم بعدله وإحسانه، ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، أهل السماء وأهل الأرض. |
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(39) التفسير المختصر: والذين كذبوا بآياتنا مِثْلُ الصم الذين لا يسمعون، والبكم الذين لا يتكلمون، وهم مع ذلك في الظلمات لا يبصرون، فأنى لمن هذه حاله أن يهتدي؟! من يشأ الله إضلاله من الناس يضلله، ومن يشأ هدايته يَهْدِهِ بأن يجعله على طريق مستقيم لا اعوجاج فيه. تفسير الجلالين: «والذين كذبوا بآياتنا» القرآن «صم» عن سماعه سماع قبول «وبكم» عن النطق بالحق «في الظلمات» الكفر «من يشأ الله» إضلاله «يضلله ومن يشأ» هدايته «يجعله على صراط» طريق «مستقيم» دين الإسلام. تفسير السعدي: هذا بيان لحال المكذبين بآيات الله، المكذبين لرسله، أنهم قد سدوا على أنفسهم باب الهدى، وفتحوا باب الردى، وأنهم صُمٌّ عن سماع الحق وَبُكْمٌ عن النطق به، فلا ينطقون إلا بباطل . فِي الظُّلُمَاتِ أي: منغمسون في ظلمات الجهل، والكفر، والظلم، والعناد، والمعاصي. وهذا من إضلال الله إياهم، ف مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ لأنه المنفرد بالهداية والإضلال، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته. |
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(40) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: أخبروني إن جاءكم عذاب من الله أو جاءتكم الساعة التي وُعِدتُّم أنها آتية؛ أتطلبون إذ ذاك غير الله ليكشف ما ينزل بكم من البلاء والشدة، إن كنتم صادقين في ادعاء أن معبوداتكم تجلب نفعًا أو تدفع ضرًّا؟! تفسير الجلالين: «قل» يا محمد لأهل مكة «أرأيتكم» أخبروني «أن أتاكم عذاب الله» في الدنيا «أو أتتكم الساعة» القيامة المشتملة عليه بغتة «أغير الله تدعون» لا «إن كنتم صادقين» في أن الأصنام تنفعكم فادعوها. تفسير السعدي: يقول تعالى لرسوله: قُلْ للمشركين بالله، العادلين به غيره: أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أي: إذا حصلت هذه المشقات، وهذه الكروب، التي يضطر إلى دفعها، هل تدعون آلهتكم وأصنامكم، أم تدعون ربكم الملك الحق المبين. |
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ(41) التفسير المختصر: الحق أنكم لا تدعون إذ ذاك غير الله الذي خلقكم، فيصرف عنكم البلاء، ويرفع عنكم الضر إن شاء، فهو ولي ذلك والقادر عليه، وأما معبوداتكم التي أشركتموها مع الله فتتركونها؛ لعلمكم أنها لا تنفع ولا تضر. تفسير الجلالين: «بل إياه» لا غيره «تدعون» في الشدائد «فيكشف ما تدعون إليه» أن يكشفه عنكم من الضر ونحوه «إن شاء» كشفه «وتنسَوْن» تتركون «ما تشركون» معه من الأصنام فلا تدعونه. تفسير السعدي: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ فإذا كانت هذه حالكم مع أندادكم عند الشدائد، تنسونهم، لعلمكم أنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا. وتخلصون لله الدعاء، لعلمكم أنه هو النافع الضار، المجيب لدعوة المضطر، فما بالكم في الرخاء تشركون به، وتجعلون له شركاء؟. هل دلكم على ذلك، عقل أو نقل، أم عندكم من سلطان بهذا؟ بل تفترون على الله الكذب؟ |
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ(42) التفسير المختصر: ولقد بعثنا إلى أمم من قبلك - أيها الرسول - رسلًا فكذبوهم، وأعرضوا عما جاؤوهم به، فعاقبناهم بالشدائد كالفقر وبما يضرّ أبدانهم كالمرض من أجل أن يخضعوا لربهم، ويتذللوا له. تفسير الجلالين: «ولقد أرسلنا إلى أمم من» زائدة «قبلك» رسلا فكذبوهم «فأخذناهم بالبأساء» شدة الفقر «والضراء» المرض «لعلهم يتضرعون» يتذللون فيؤمنون. تفسير السعدي: يقول تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ من الأمم السالفين، والقرون المتقدمين، فكذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا. فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ أي: بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم. لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ إلينا، ويلجأون عند الشدة إلينا. |
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(43) التفسير المختصر: لو أنهم حين جاءهم بلاؤنا تذللوا لله، وخضعوا له ليكشف عنهم البلاء، لرحمناهم لكنهم لم يفعلوا ذلك، بل قست قلوبهم، فلم يعتبروا، ولم يتعظوا، وحَسَّنَ لهم الشيطان ما كانوا يرتكبون من الكفر والمعاصي، فاستمروا على ما كانوا عليه. تفسير الجلالين: «فلولا» فهلا «إذ جاءهم بأسنا» عذابنا «تضرَّعوا» أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له «ولكن قست قلوبهم» فلم تلن للإيمان «وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون» من المعاصي فأصرُّوا عليها. تفسير السعدي: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أي: استحجرت فلا تلين للحق. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فظنوا أن ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان. |
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44) التفسير المختصر: فلما تركوا ما وُعِظُوا به من شدة الفقر والمرض، ولم يعملوا بأوامر الله، استدرجناهم بفتح أبواب الرزق عليهم، وإغنائهم بعد الفقر، وصَحَّحْنَا أجسامهم بعد المرض، حتى إذا أصابهم البَطَرُ، واستولى عليهم الإعجاب بما مُتِّعُوا به جاءهم عذابنا فجأة، فإذا هم متحيرون يائسون مما يأملون. تفسير الجلالين: «فلما نسوا» تركوا «ما ذكروا» وُعظوا وخوفوا «به» من البأساء والضراء فلم يتعظوا «فتحنا» بالتخفيف والتشديد «عليهم أبواب كلِّ شيء» من النعم استدراجا لهم «حتى إذا فرحوا بما أوتوا» فرح بطر «أخذناهم» بالعذاب «بغتة» فجأة «فإذا هم مبلسون» آيسون من كل خير. تفسير السعدي: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ من الدنيا ولذاتها وغفلاتها. حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم. |
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(45) التفسير المختصر: فَقُطِع آخر أهل الكفر باستئصالهم جميعًا بالإهلاك، ونَصْرِ رسل الله، والشكرُ والثناءُ لله وحده رب العالمين على إهلاكه أعداءه ونصره أولياءه. تفسير الجلالين: «فقطع دابر القوم الذين ظلموا» أي آخرهم بأن استؤصلوا «والحمد لله رب العالمين» على نصر الرسل وإهلاك الكافرين. تفسير السعدي: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي اصطلموا بالعذاب، وتقطعت بهم الأسباب. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ على ما قضاه وقدره، من هلاك المكذبين. فإن بذلك، تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون. |
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ(46) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: أخبروني إن أَصَمَّكم الله بسَلْب أسماعكم، وأعماكم بأخذ أبصاركم، وطبع على قلوبكم، فلم تفقهوا شيئًا؛ مَن معبود بحق يأتيكم بما فقدتموه من ذلك؟ تأمل - أيها الرسول - كيف نبين لهم الحجج، وننوع البراهين، ثم هم يعرضون عنها! تفسير الجلالين: «قل» لأهل مكة «أرأيتم» أخبروني «إن أخذ الله سمعكم» أصمَّكم «وأبصاركم» أعماكم «وختم» طبع «على قلوبكم» فلا تعرفون شيئا «من إله غير الله يأتيكم به» بما أخذه منكم بزعمكم «أنظر كيف نصرف» نبين «الآيات» الدلالات على وحدانيتنا «ثم هم يصدفون» يعرِضون عنها فلا يؤمنون. تفسير السعدي: يخبر تعالى، أنه كما أنه هو المتفرد بخلق الأشياء وتدبيرها، فإنه المنفرد بالوحدانية والإلهية فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ فبقيتم بلا سمع ولا بصر ولا عقل مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ فإذا لم يكن غير الله يأتي بذلك، فلم عبدتم معه من لا قدرة له على شيء إلا إذا شاءه الله. وهذا من أدلة التوحيد وبطلان الشرك، ولهذا قال: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ أي: ننوعها، ونأتي بها في كل فن، ولتنير الحق، وتتبين سبيل المجرمين. ثُمَّ هُمْ مع هذا البيان التام يَصْدِفُونَ عن آيات الله، ويعرضون عنها. |
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ(47) التفسير المختصر: قل لهم - أيها الرسول -: أخبروني إن جاءكم عذاب الله فجأة من غير شعور منكم به، أو جاءكم ظاهرًا عيانًا، فإنه لا يُؤْخَذ بذلك العذاب إلا الظالمون بكفرهم بالله وتكذيب رسله. تفسير الجلالين: «قل» لهم «أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة» ليلا أو نهارا «هل يُهلك إلا القوم الظالمون» الكافرون أي ما يهلك إلا هم. تفسير السعدي: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ أي: أخبروني إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً أي: مفاجأة أو قد تقدم أمامه مقدمات، تعلمون بها وقوعه. هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ الذين صاروا سببا لوقوع العذاب بهم، بظلمهم وعنادهم. فاحذروا أن تقيموا على الظلم، فإنه الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي. |
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۖ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(48) التفسير المختصر: وما نرسل من نرسله من رسلنا إلا لإخبار أهل الإيمان والطاعة بما يسرهم من النعيم المقيم الذي لا ينفد ولا ينقطع، وتخويف أهل الكفر والعصيان من عذابنا الشديد، فمن آمن بالرسل، وأصلح عمله، فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه في آخرتهم، ولا هم يحزنون ويتحسرون على ما فاتهم من الحظوظ الدنيوية. تفسير الجلالين: «وما نرسل المرسلين إلا مبشِّرين» من آمن بالجنة «ومنذرين» من كفر بالنار «فمن آمن» بهم «وأصلح» عمله «فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» في الآخرة. تفسير السعدي: يذكر تعالى، زبدة ما أرسل به المرسلين؛ أنه البشارة والنذارة، وذلك مستلزم لبيان المبشر والمبشر به، والأعمال التي إذا عملها العبد، حصلت له البشارة. والمنذر والمنذر به، والأعمال التي من عملها، حقت عليه النذارة. ولكن الناس انقسموا -بحسب إجابتهم لدعوتهم وعدمها - إلى قسمين: فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ أي: آمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وأصلح إيمانه وأعماله ونيته فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبل وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما مضى. |
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(49) التفسير المختصر: والذين كَذَّبُوا بآياتنا يصيبهم العذاب بسبب خروجهم عن طاعة الله. تفسير الجلالين: «والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون» يخرجون عن الطاعة. تفسير السعدي: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ أي: ينالهم، ويذوقونه بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ |
قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ(50) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: لا أقول لكم: إن عندي خزائن الله من الرزق فأتصرف فيها بما شئت، ولا أقول لكم: إني أعلم من الغيب إلا ما أطلعني الله عليه من الوحي، ولا أقول لكم: إني ملك من الملائكة، فأنا رسول من الله، لا أتبع إلا ما يُوحِي إلي، ولا أدّعي ما ليس لي، قل - أيها الرسول - لهم: هل يستوي الكافر الذي عَمِيَتْ بصيرته عن الحق، والمؤمن الذي أبصر الحق وآمن به؟ أفلا تتأملون بعقولكم - أيها المشركون - فيما حولكم من الآيات. تفسير الجلالين: «قل» لهم «لا أقول لكم عندي خزائن الله» التي منها يرزق «ولا» إني «أعلم الغيب» ما غاب عني ولم يوح إلي «ولا أقول لكم إني ملك» من الملائكة «إن» ما «أتبع إلا ما يوحى إليَّ قل هل يستوي الأعمى» الكافر «والبصير» المؤمن؟ لا «أفلا تتفكرون» في ذلك فتؤمنون. تفسير السعدي: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ المقترحين عليه الآيات، أو القائلين له: إنما تدعونا لنتخذك إلها مع الله. وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ أي: مفاتيح رزقه ورحمته. وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وإنما ذلك كله عند الله فهو الذي ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو وحده عالم الغيب والشهادة. فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول. وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ فأكون نافذ التصرف قويا، فلست أدعي فوق منزلتي، التي أنزلني الله بها. إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ أي: هذا غايتي ومنتهى أمري وأعلاه، إن أتبع إلا ما يوحى إلي، فأعمل به في نفسي، وأدعو الخلق كلهم إلى ذلك. فإذا عرفت منزلتي، فلأي شيء يبحث الباحث معي، أو يطلب مني أمرا لست أدعيه، وهل يلزم الإنسان، بغير ما هو بصدده؟. ولأي شيء إذا دعوتكم، بما أوحي إلي أن تلزموني أني أدعي لنفسي غير مرتبتي. وهل هذا إلا ظلم منكم، وعناد، وتمرد؟ قل لهم في بيان الفرق، بين من قبل دعوتي، وانقاد لما أوحي إلي، وبين من لم يكن كذلك قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ فتنزلون الأشياء منازلها، وتختارون ما هو أولى بالاختيار والإيثار؟ |
وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(51) التفسير المختصر: وخوِّف - أيها الرسول - بهذا القرآن الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم يوم القيامة، ليس لهم ولي غير الله يجلب لهم النفع، ولا شفيع يكشف عنهم الضر، لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فهؤلاء هم الذين ينتفعون بالقرآن. تفسير الجلالين: «وأنذر» خوِّف «به» أي القرآن «الذين يخافون أن يُحشروا إلى ربِّهم ليس لهم من دونه» أي غيره «ولي» ينصرهم «ولا شفيع» يشفع لهم وجملة النفي حال من ضمير يحشروا وهي محل الخوف والمراد بهم العاصون «لعلهم يتقون» الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات. تفسير السعدي: هذا القرآن نذارة للخلق كلهم، ولكن إنما ينتفع به الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ فهم متيقنون للانتقال، من هذه الدار، إلى دار القرار، فلذلك يستصحبون ما ينفعهم ويدَعُون ما يضرهم. لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ أي: لا من دون الله وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ أي: من يتولى أمرهم فيحصّل لهم المطلوب، ويدفع عنهم المحذور، ولا من يشفع لهم، لأن الخلق كلهم، ليس لهم من الأمر شيء. لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الله، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن الإنذار موجب لذلك، وسبب من أسبابه. |
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ(52) التفسير المختصر: ولا تُبْعِدْ - أيها الرسول - عن مجلسك فقراء المسلمين الذين هم في عبادة دائمة لله في أول النهار وآخره مخلصين له العبادة، لا تبعدهم لتستميل أكابر المشركين، ليس عليك من حساب هؤلاء الفقراء شيء، إنما حسابهم عند ربهم، وما عليهم من حسابك شيء، إنك إن أبعدتهم عن مجلسك فإنك تكون من المتجاوزين لحدود الله. تفسير الجلالين: «ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون» بعبادتهم «وجهه» تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء، وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلي الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم «ما عليك من حسابهم من» زائدة «شيء» إن كان باطنهم غير مرضي «وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم» جواب النفي «فتكون من الظالمين» إن فعلت ذلك. تفسير السعدي: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي: لا تطرد عنك، وعن مجالستك، أهل العبادة والإخلاص، رغبة في مجالسة غيرهم، من الملازمين لدعاء ربهم، دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها، ودعاء المسألة، في أول النهار وآخره، وهم قاصدون بذلك وجه الله، ليس لهم من الأغراض سوى ذلك الغرض الجليل، فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والإعراض عنهم، بل مستحقون لموالاتهم ومحبتهم، وإدنائهم، وتقريبهم، لأنهم الصفوة من الخلق وإن كانوا فقراء، والأعزاء في الحقيقة وإن كانوا عند الناس أذلاء. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي: كلٌّ له حسابه، وله عمله الحسن، وعمله القبيح. فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وقد امتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، أشد امتثال، فكان إذا جلس الفقراء من المؤمنين صبر نفسَه معهم، وأحسن معاملتهم، وألان لهم جانبه، وحسن خلقَه، وقربهم منه، بل كانوا هم أكثر أهل مجلسه رضي الله عنهم. وكان سبب نزول هذه الآيات، أن أناسا [من قريش، أو] من أجلاف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك، فاطرد فلانا وفلانا، أناسا من فقراء الصحابة، فإنا نستحيي أن ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء، فحمله حبه لإسلامهم، واتباعهم له، فحدثته نفسه بذلك. فعاتبه الله بهذه الآية ونحوها. |
وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ(53) التفسير المختصر: وكذلك ابتلينا بعضهم ببعض، فجعلناهم متفاوتين في حظوظهم الدنيوية، ابتليناهم بذلك ليقول الكافرون الأغنياء لفقراء المؤمنين: أهؤلاء الفقراء تفضَّل الله عليهم بالهداية من بيننا؟! لو كان الإيمان خيرًا ما سبقونا إليه، فنحن أهل السَّبْق. أليس الله بأعلم بالشاكرين لنعمه، فَيُوَفِّقَهُم للإيمان، وأعلم بالكافرين لها فَيَخْذُلَهُم فلا يؤمنون؟! بلى إن الله أعلم بهم. تفسير الجلالين: «وكذلك فَتنَا» ابتلينا «بعضهم ببعض» أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدَّمناه بالسبق إلى الإيمان «ليقولوا» أي الشرفاء والأغنياء منكرين «أهؤلاء» الفقراء «منَّ الله عليهم من بيننا» بالهداية أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه قال تعالى: «أليس الله بأعلم بالشاكرين» له فيهديهم: بلى. تفسير السعدي: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أي: هذا من ابتلاء الله لعباده، حيث جعل بعضهم غنيا؛ وبعضهم فقيرا، وبعضهم شريفا، وبعضهم وضيعا، فإذا مَنَّ الله بالإيمان على الفقير أو الوضيع؛. كان ذلك محل محنة للغني والشريف فإن كان قصده الحق واتباعه، آمن وأسلم، ولم يمنعه من ذلك مشاركه الذي يراه دونه بالغنى أو الشرف، وإن لم يكن صادقا في طلب الحق، كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق. وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم: أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا فمنعهم هذا من اتباع الحق، لعدم زكائهم، قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء، وعدم هدايتهم هم. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ الذين يعرفون النعمة، ويقرون بها، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح، فيضع فضله ومنته عليهم، دون من ليس بشاكر، فإن الله تعالى حكيم، لا يضع فضله عند من ليس له بأهل، وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف، بخلاف من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرون. |
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(54) التفسير المختصر: وإذا جاءك - أيها الرسول - الذين يؤمنون بآياتنا الشاهدة على صدق ما جئت به، فَرُدَّ عليهم السلام إكرامًا لهم، وبشّرهم بسعة رحمة الله، فقد أوجب الله على نفسه الرحمة إيجاب تَفَضُّل، فمن ارتكب منكم معصية في حال جهلٍ وسفهٍ، ثم تاب من بعد ارتكابه لها، وأصلح عمله، فإن الله يغفر له ما ارتكبه، فالله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم. تفسير الجلالين: «وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل» لهم «سلام عليكم كتب» قضى «ربكم على نفسه الرحمة إنهُ» أي الشأن وفي قراءة بالفتح بدل من الرحمة «من عمل منكم سوءا بجهالة» منه حيث ارتكبه «ثم تاب» رجع «من بعده» بعد عمله عنه «وأصلح» عمله «فإنه» أي الله «غفور» له «رحيم» به، وفي قراءة بالفتح أي فالمغفرة له. تفسير السعدي: ولما نهى الله رسولَه، عن طرد المؤمنين القانتين، أمَره بمقابلتهم بالإكرام والإعظام، والتبجيل والاحترام، فقال: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أي: وإذا جاءك المؤمنون، فحَيِّهم ورحِّب بهم ولَقِّهم منك تحية وسلاما، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم، من رحمة الله، وسَعة جوده وإحسانه، وحثهم على كل سبب وطريق، يوصل لذلك. ورَهِّبْهم من الإقامة على الذنوب، وأْمُرْهم بالتوبة من المعاصي، لينالوا مغفرة ربهم وجوده، ولهذا قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ أي: فلا بد مع ترك الذنوب والإقلاع، والندم عليها، من إصلاح العمل، وأداء ما أوجب الله، وإصلاح ما فسد من الأعمال الظاهرة والباطنة. فإذا وجد ذلك كله فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: صب عليهم من مغفرته ورحمته، بحسب ما قاموا به، مما أمرهم به. |
وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ(55) التفسير المختصر: وكما بينَّا لك ما ذُكِرَ نُبَيِّنُ أدلتنا وحجتنا على أهل الباطل، ولإيضاح طريق المجرمين ومنهجهم؛ لاجتنابه والحذر منه. تفسير الجلالين: «وكذلك» كما بينا ما ذكر «نفصِّل» نبين «الآيات» القرآن ليظهر الحق فيعمل به «ولتستبين» تظهر «سبيلُ» طريق «المجرمين» فتجتنب، وفي قراءة بالتحتانية، وفي أخرى بالفوقانية ونصب سبيل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم تفسير السعدي: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ أي: نوضحها ونبينها، ونميز بين طريق الهدى من الضلال، والغي والرشاد، ليهتدي بذلك المهتدون، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه. وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ الموصلة إلى سخط الله وعذابه، فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت، أمكن اجتنابها، والبعد منها، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل. |
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۚ قُل لَّا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ ۙ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ(56) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول -: إني نهاني الله عن عبادة الذين تعبدونهم من دون الله، قل - أيها الرسول -: لا أتبع أهواءكم في عبادة غير الله، فأنا إن اتبعت أهواءكم في ذلك أكون ضالًّا عن طريق الحق، لا أهتدي إليه، وهذا شأن كل من اتبع الهوى دون برهان من الله. تفسير الجلالين: «قل إني نُهيت أن أعبد الذين تدعون» تعبدون «من دون الله قل لا أتبع أهواءكم» في عبادتها «قد ضللت إذا» إن اتبعتها «وما أنا من المهتدين». تفسير السعدي: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله آلهة أخرى: إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأنداد والأوثان، التي لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فإن هذا باطل، وليس لكم فيه حجة بل ولا شبهة، ولا اتباع الهوى الذي اتباعه أعظم الضلال، ولهذا قال قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا أي: إن اتبعت أهواءكم وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ بوجه من الوجوه. وأما ما أنا عليه، من توحيد الله وإخلاص العمل له، فإنه هو الحق الذي تقوم عليه البراهين والأدلة القاطعة. |
قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ(57) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: إني على برهان واضح من ربي، لا على هوى، وأنتم كذبتم بهذا البرهان، ليس عندي ما تستعجلون به من العذاب والآيات الخارقة التي طلبتموها، إنما ذلك بيد الله، فليس الحكم - ومن جملته ما طلبتم - إلا لله وحده، يقول الحق ويحكم به، وهو سبحانه خير من بيّن وميّز المُحِقَّ من المُبطِل. تفسير الجلالين: «قل إني على بيِّنة» بيان «من ربي و» قد «كذَّبتم به» بربي حيث أشركتم «ما عندي ما تستعجلون به» من العذاب «إن» ما «الحكم» في ذلك وغيره «إلا لله يقضي» القضاء «الحق وهو خير الفاصلين» الحاكمين، وفي قراءة يقصُّ أي يقول. تفسير السعدي: وأنا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي: على يقين مبين، بصحته، وبطلان ما عداه، وهذه شهادة من الرسول جازمة، لا تقبل التردد، وهو أعدل الشهود على الإطلاق. فصدق بها المؤمنون، وتبين لهم من صحتها وصدقها، بحسب ما مَنَّ الله به عليهم. وَ لكنكم أيها المشركون – كذبتم به وهو لا يستحق هذا منكم، ولا يليق به إلا التصديق، وإذا استمررتم على تكذيبكم، فاعلموا أن العذاب واقع بكم لا محالة، وهو عند الله، هو الذي ينزله عليكم، إذا شاء، وكيف شاء، وإن استعجلتم به، فليس بيدي من الأمر شيء إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فكما أنه هو الذي حكم بالحكم الشرعي، فأمر ونهى، فإنه سيحكم بالحكم الجزائي، فيثيب ويعاقب، بحسب ما تقتضيه حكمته. فالاعتراض على حكمه مطلقا مدفوع، وقد أوضح السبيل، وقص على عباده الحق قصا، قطع به معاذيرهم، وانقطعت له حجتهم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ بين عباده، في الدنيا والآخرة، فيفصل بينهم فصلا، يحمده عليه، حتى من قضى عليه، ووجه الحق نحوه. |
قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ(58) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهم: لو كان عندي وفي قبضتي ما تستعجلون به من العذاب لأنزلته بكم، وعند ذلك يُقْضَى الأمر الذي بيني وبينكم، والله أعلم بالظالمين كم يُمْهلهم ومتى يعاقبهم. تفسير الجلالين: «قل» لهم «لو أن عندي ما تستعجلون به لقُضي الأمر بيني وبينكم» بأن أعجله لكم وأستريح ولكنه عند الله «والله أعلم بالظالمين» متى يعاقبهم. تفسير السعدي: قُل للمستعجلين بالعذاب، جهلا وعنادا وظلما، لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فأوقعته بكم ولا خير لكم في ذلك، ولكن الأمر، عند الحليم الصبور، الذي يعصيه العاصون، ويتجرأ عليه المتجرئون، وهو يعافيهم، ويرزقهم، ويسدي عليهم نعمه، الظاهرة والباطنة. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، فيمهلهم ولا يهملهم. |
۞ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59) التفسير المختصر: وعند الله وحده خزائن الغيب، لا يعلمها غيره، ويعلم كل ما في البر من مخلوقات من حيوان ونبات وجماد، ويعلم ما في البحر من حيوان ونبات وجماد، وما تسقط من ورقة في أي مكان، ولا توجد حبة مخبوءة في الأرض، ولا يوجد رطب، ولا يوجد يابس، إلا كان مثبتًا في كتاب واضح هو اللوح المحفوظ. تفسير الجلالين: (وعنده) تعالى (مفاتح الغيب) خزائنه أو الطرق الموصلة إلى عمله (لا يعلمها إلا هو) وهي الخمسة التي في قوله (إن الله عنده علم الساعة) الآية كما رواه البخاري (ويعلم ما) يحدث (في البر) القفار (والبحر) القرى التي على الأنهار (وما تسقط من) زائدة (ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس) عطف على ورقة (إلا في كتاب مبين) هو اللوح المحفوظ، والاستثناء بدل اشتمال من الاستثناء قبله. تفسير السعدي: هذه الآية العظيمة، من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط، وأنه شامل للغيوب كلها، التي يطلع منها ما شاء من خلقه. وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، فضلا عن غيرهم من العالمين، وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من الحيوانات، والأشجار، والرمال والحصى، والتراب، وما في البحار من حيواناتها، ومعادنها، وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها. وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة، إلا يعلمها. وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ من حبوب الثمار والزروع، وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات. وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ هذا عموم بعد خصوص إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وهو اللوح المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها، وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء، ويذهل أفئدة النبلاء، فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته، في أوصافه كلها. وأن الخلق -من أولهم إلى آخرهم- لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته، لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك، فتبارك الرب العظيم، الواسع العليم، الحميد المجيد، الشهيد، المحيط. وجل مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناء عليه، بل كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده، فهذه الآية، دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الحوادث. |
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(60) التفسير المختصر: والله هو الذي يقبض أرواحكم عند النوم قبضًا مؤقتًا، وهو الذي يعلم ما كسبتم من الأعمال في النهار وقت نشاطكم، ثم يبعثكم في النهار بعد قبض أرواحكم بالنوم لتقوموا بأعمالكم، حتى تنتهي آجال حياتكم المقدرة عند الله، ثم إليه وحده رجوعكم بالبعث يوم القيامة، ثم يخبركم بما كنتم تعملونه في حياتكم الدنيا، ويجازيكم عليه. تفسير الجلالين: «وهو الذي يتوفاكم بالليل» يقبض أرواحكم عند النوم «ويعلم ما جرحتم» كسبتم «بالنهار ثم يبعثكم فيه» أي النهار برد أرواحكم «ليُقضى أجل مسمى» هو أجل الحياة «ثم إليه مرجعكم» «ثم ينبئكم بما كنتم تعملون» فيجازيكم به. تفسير السعدي: هذا كله، تقرير لألوهيته، واحتجاج على المشركين به، وبيان أنه تعالى المستحق للحب والتعظيم، والإجلال والإكرام، فأخبر أنه وحده، المتفرد بتدبير عباده، في يقظتهم ومنامهم، وأنه يتوفاهم بالليل، وفاة النوم، فتهدأ حركاتهم، وتستريح أبدانهم، ويبعثهم في اليقظة من نومهم، ليتصرفوا في مصالحهم الدينية والدنيوية وهو –تعالى- يعلم ما جرحوا وما كسبوا من تلك الأعمال. ثم لا يزال تعالى هكذا، يتصرف فيهم، حتى يستوفوا آجالهم. فيقضى بهذا التدبير، أجل مسمى، وهو: أجل الحياة، وأجل آخر فيما بعد ذلك، وهو البعث بعد الموت، ولهذا قال: ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ لا إلى غيره ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من خير وشر. |
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ(61) التفسير المختصر: والله هو الغالب على عباده؛ المذلِّل لهم، العالي عليهم من كل وجه، الذي خضع له كل شيء، فوق عباده فوقية تليق بجلاله سبحانه وتعالى، ويرسل عليكم - أيها الناس - ملائكة كرامًا تُحصي أعمالكم حتى ينتهي أجل أحدكم بقبض ملك الموت وأعوانه روحه، وهم لا يُقَصِّرون فيما أُمِرُوا به. تفسير الجلالين: «وهو القاهر» مستعليا «فوق عباده ويرسل عليكم حفظة» ملائكة تحصي أعمالكم «حتى إذا جاء أحدكم الموت توفَّته» وفي قراءة توفاه «رسلنا» الملائكة الموكلون بقبض الأرواح «وهم لا يفرَّطون» يقصرون فيما يؤمرون به. تفسير السعدي: وَهُوَ تعالى الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ينفذ فيهم إرادته الشاملة، ومشيئته العامة، فليسوا يملكون من الأمر شيئا، ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه، ومع ذلك، فقد وكل بالعباد حفظةً من الملائكة، يحفظون العبد ويحفظون عليه ما عمل، كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ فهذا حفظه لهم في حال الحياة. حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا أي الملائكة الموكلون بقبض الأرواح. وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ في ذلك، فلا يزيدون ساعة مما قدره الله وقضاه ولا ينقصون، ولا ينفذون من ذلك، إلا بحسب المراسيم الإلهية والتقادير الربانية. |
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ(62) التفسير المختصر: ثم رُدَّ جميع من قُبِضَتْ أرواحهم إلى الله مالكهم الحق ليجازيهم على أعمالهم، الذي له القضاء النافذ والحكم العدل فيهم، وهو أسرع من عدّكم وأحصى أعمالكم. تفسير الجلالين: «ثم ردُّوا» أي الخلق «إلى الله مولاهم» مالكهم «الحق» الثابت العدل ليجزيهم «ألا له الحكم» القضاء النافذ فيهم «وهو أسرع الحاسبين» يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك. تفسير السعدي: ثُمَّ بعد الموت والحياة البرزخية، وما فيها من الخير والشر رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أي: الذي تولاهم بحكمه القدري، فنفذ فيهم ما شاء من أنواع التدبير، ثم تولاهم بأمره ونهيه، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ثم ردوا إليه ليتولى الحكم فيهم بالجزاء، ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات، ويعاقبهم على الشرور والسيئات،وَلهذا قال: أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وحده لا شريك له وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ لكمال علمه وحفظه لأعمالهم، بما أثبتته في اللوح المحفوظ، ثم أثبته ملائكته في الكتاب، الذي بأيديهم، فإذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير، وهو القاهر فوق عباده، وقد اعتنى بهم كل الاعتناء، في جميع أحوالهم، وهو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، فأين للمشركين العدولُ عن من هذا وصفه ونعته، إلى عبادة من ليس له من الأمر شيء، ولا عنده مثقال ذرة من النفع، ولا له قدرة وإرادة؟!. أما والله لو علموا حلم الله عليهم، وعفوه ورحمته بهم، وهم يبارزونه بالشرك والكفران، ويتجرءون على عظمته بالإفك والبهتان، وهو يعافيهم ويرزقهم لانجذبت، دواعيهم إلى معرفته، وذهلت عقولهم في حبه. ولمقتوا أنفسهم أشد المقت، حيث انقادوا لداعي الشيطان، الموجب للخزي والخسران، ولكنهم قوم لا يعقلون. |
قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ(63) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: من ينقذكم ويُسَلِّمُكُم من المهالك التي تَلقَونها في ظلمات البر والبحر؟ تدعونه وحده متذللين مُسْتكينين في السر والعلن: لئن سلَّمَنا ربنا من هذه المهالك لنكونن من الشاكرين لنعمه علينا بألا نعبد غيره. تفسير الجلالين: «قل» يا محمد لأهل مكة «من ينجيِكم من ظلمات البر والبحر» أهوالهما في أسفاركم حين «تدعونه تضرعا» علانية «وخفية» سرا تقولون «لئن» لام قسم «أنجيتنا» وفي قراءة أنجانا أي الله «من هذه» الظلمات والشدائد «لنكونن من الشاكرين» المؤمنين. تفسير السعدي: أي قُلْ للمشركين بالله، الداعين معه آلهة أخرى، ملزما لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، على ما أنكروا من توحيد الإلهية مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: شدائدهما ومشقاتهما، وحين يتعذر أو يتعسر عليكم وجه الحيلة، فتدْعون ربكم تضرعا بقلب خاضع، ولسان لا يزال يلهج بحاجته في الدعاء، وتقولون وأنتم في تلك الحال: لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ الشدة التي وقعنا فيها لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لله، أي المعترفين بنعمته، الواضعين لها في طاعة ربهم، الذين حفظوها عن أن يبذلوها في معصيته. |
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ(64) التفسير المختصر: قل لهم - أيها الرسول -: الله هو الذي ينقذكم منها، ويُسَلِّمُكُم من كل كرب، ثم أنتم بعد ذلك تشركون معه غيره في حالة السرّاء، فأي ظلم فوق ما تقومون به؟! تفسير الجلالين: «قل» لهم «الله يُنجيكم» بالتخفيف والتشديد «منها ومن كل كرب» غمِّ سواها «ثم أنتم تشركون» به. تفسير السعدي: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ أي: من هذه الشدة الخاصة، ومن جميع الكروب العامة. ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ لا تفون لله بما قلتم، وتنسون نعمه عليكم، فأي برهان أوضح من هذا على بطلان الشرك، وصحة التوحيد؟" |
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ(65) التفسير المختصر: قل لهم - أيها الرسول -: الله هو القادر على أن يرسل عليكم عذابًا يأتيكم من فوقكم مثل الحجارة والصواعق والطوفان، أو يأتيكم من تحتكم مثل الزلازل والخسف، أو يخالف بين قلوبكم، فيتبع كل منكم هواه، فيقاتل بعضكم بعضًا، تأمل - أيها الرسول - كيف نُنوِّع لهم الأدلة والبراهين ونبيِّنُها لعلهم يفهمون أن ما جِئْتَ به حق، وأن ما عندهم باطل. تفسير الجلالين: (قل هو القادر) على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) من السماء كالحجارة والصيحة (أو من تحت أرجلكم) كالخسف (أو يلبسكم) يخلطكم (شيعا) فرقا مختلفة الأهواء (ويذيق بعضكم بأس بعض) بالقتال، قال صلى الله عليه وسلم: لما نزلت (هذا أهون وأيسر) ولما نزل ما قبله:، (أعوذ بوجهك رواه البخاري وروى مسلم حديث "" سألت ربي ألا يجعل بأس أمتي بينهم فمنعنيها "" وفي حديث "" لما نزلت قال أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد "" (أنظر كيف نصرف) نبين لهم (الآيات) الدلالات على قدرتنا (لعلهم يفقهون) يعلمون أن ما هم عليه باطل. تفسير السعدي: أي: هو تعالى قادر على إرسال العذاب إليكم من كل جهة. مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ أي: يخلطكم شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ أي: في الفتنة، وقتل بعضكم بعضا. فهو قادر على ذلك كله، فاحذروا من الإقامة على معاصيه، فيصيبكم من العذاب ما يتلفكم ويمحقكم، ومع هذا فقد أخبر أنه قادر على ذلك. ولكن من رحمته، أن رفع عن هذه الأمة العذاب من فوقهم بالرجم والحصب، ونحوه، ومن تحت أرجلهم بالخسف. ولكن عاقب من عاقب منهم، بأن أذاق بعضهم بأس بعض، وسلط بعضهم على بعض، عقوبة عاجلة يراها المعتبرون، ويشعر بها العالمون انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ أي: ننوعها، ونأتي بها على أوجه كثيرة وكلها دالة على الحق. لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ أي: يفهمون ما خلقوا من أجله، ويفقهون الحقائق الشرعية، والمطالب الإلهية. |
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ(66) التفسير المختصر: وكذّب بهذا القرآن قومك، وهو الحق الذي لا مرية في أنه من عند الله، قل لهم - أيها الرسول -: لست موكلًا بالرقابة عليكم، فما أنا إلا منذر لكم بين يدي عذاب شديد. تفسير الجلالين: «وكذب به» بالقرآن «قومك وهو الحق» الصدق «قل» لهم «لست عليكم بوكيل» فأجازيكم إنما أنا منذر وأمركم إلى الله وهذا قبل الأمر بالقتال. تفسير السعدي: وَكَذَّبَ بِهِ أي: بالقرآن قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه. قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أحفظ أعمالكم، وأجازيكم عليها، وإنما أنا منذر ومبلغ. |
لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(67) التفسير المختصر: لكل خبر وقت يستقر فيه، ونهاية ينتهي إليها، ومن ذلك خبر مآلكم وعاقبتكم، فسوف تعلمون ذلك عندما تبعثون يوم القيامة. تفسير الجلالين: «لكل نبأ» خبر «مستقر» وقت يقع فيه ويستقر ومنه عذابكم «وسوف تعلمون» تهديد لهم. تفسير السعدي: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ أي: وقت يستقر فيه، وزمان لا يتقدم عنه ولا يتأخر. وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ما توعدون به من العذاب. |
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(68) التفسير المختصر: وإذا رأيت - أيها الرسول - المشركين يتكلمون في آياتنا بالسخرية والاستهزاء، فابتعد عنهم حتى يدخلوا في حديث خال من السخرية والاستهزاء بآياتنا، وإذا أنساك الشيطان وجلست معهم، ثم تذكرت فغادر مجلسهم ولا تجلس مع هؤلاء المعتدين. تفسير الجلالين: «وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا» القرآن بالاستهزاء «فأعرض عنهم» ولا تجالسهم «حتى يخوضوا في حديث غيره وإما» فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة «يُنسِيَنَّكَ» بسكون النون والتخفيف وفتحها والتشديد «الشيطان» فقعدت معهم «فلا تقعد بعد الذكرى» أي تذكرة «مع القوم الظالمين» فيه وضع الظاهر موضع المضمر وقال المسلمون إن قمنا كلما خاضوا لم نستطيع أن نجلس في المسجد وأن نطوف فنزل. تفسير السعدي: المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله، فأمر الله رسوله أصلا، وأمته تبعا، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره، فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور. فإن كان مصلحة كان مأمورا به، وإن كان غير ذلك، كان غير مفيد ولا مأمور به، وفي ذم الخوض بالباطل، حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق. ثم قال: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ أي: بأن جلست معهم، على وجه النسيان والغفلة. فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته. |
وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(69) التفسير المختصر: وليس على الذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من حساب هؤلاء الظالمين من شيء، وإنما عليهم أن يَنْهَوْهُم عما يرتكبونه من منكر، لعلهم يتقون الله، فيمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه. تفسير الجلالين: «وما على الذين يتقون» الله «من حسابهم» أي الخائضين «من» زائدة «شيء» إذا جالسوهم «ولكن عليهم «ذكرى» تذكرة لهم وموعظة «لعلهم يتقون» الخوض. تفسير السعدي: هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام، ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ، مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره، إلى أن تركه هو الواجب لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا. |
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ(70) التفسير المختصر: ودع - أيها الرسول - هؤلاء المشركين الذين صَيَّرُوا دينهم لعبًا وَلَهْوًا يسخرون منه ويستهزئون به، وخدعتهم الحياة الدنيا بما فيها من متع زائلة، وَعِظْ - أيها النبي - الناس بالقرآن حتى لا تُسْلَمَ نفس إلى الهلاك بسبب ما كسبته من سيئات، ليس لها من دون الله حليف تستنصر به، ولا شافع يمنع عنها عذاب الله يوم القيامة، وإذا افتدت من عذاب الله بأي فداء لا يقبل منها، أولئك الذين أُسْلِمُوا إلى هلاك أنفسهم بسبب ما ارتكبوه من المعاصي، لهم يوم القيامة شراب متناهي الحرارة، وعذاب موجع بسبب كفرهم. تفسير الجلالين: «وذر» أترك «الذين اتخذوا دينهم» الذي كلفوه «لعبا ولهوا» باستهزائهم به «وغرتهم الحياة الدنيا» فلا تتعرض لهم وهذا قبل الأمر بالقتال «وذكِّر» عظ «به» بالقرآن الناس لـ «أن» لا «تُبسل نفس» تسلم إلى الهلاك «بما كسبت» عملت «ليس لها من دون الله» أي غيره «ولي» ناصر «ولا شفيع» يمنع عنها العذاب «وإن تعدل كل عدل» تفد كل فداء «لا يؤخذ منها» ما تفدي به «أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم» ماء بالغ نهاية الحرارة «وعذاب أليم» مؤلم «بما كانوا يكفرون» بكفرهم. تفسير السعدي: المقصود من العباد، أن يخلصوا لله الدين، بأن يعبدوه وحده لا شريك له، ويبذلوا مقدورهم في مرضاته ومحابه. وذلك متضمن لإقبال القلب على الله وتوجهه إليه، وكون سعي العبد نافعا، وجدًّا، لا هزلا، وإخلاصا لوجه الله، لا رياء وسمعة، هذا هو الدين الحقيقي، الذي يقال له دين، فأما من زعم أنه على الحق، وأنه صاحب دين وتقوى، وقد اتخذ دينَه لعبا ولهوا. بأن لَهَا قلبُه عن محبة الله ومعرفته، وأقبل على كل ما يضره، ولَهَا في باطله، ولعب فيه ببدنه، لأن العمل والسعي إذا كان لغير الله، فهو لعب، فهذا أَمَر الله تعالى أن يترك ويحذر، ولا يغتر به، وتنظر حاله، ويحذر من أفعاله، ولا يغتر بتعويقه عما يقرب إلى الله. وَذَكِّرْ بِهِ أي: ذكر بالقرآن، ما ينفع العباد، أمرا، وتفصيلا، وتحسينا له، بذكر ما فيه من أوصاف الحسن، وما يضر العباد نهيا عنه، وتفصيلا لأنواعه، وبيان ما فيه، من الأوصاف القبيحة الشنيعة، الداعية لتركه، وكل هذا لئلا تبسل نفس بما كسبت، أي: قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرئه على علام الغيوب، واستمرارها على ذلك المرهوب، فذكرها، وعظها، لترتدع وتنزجر، وتكف عن فعلها. وقوله لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ أي: قبل [أن] تحيط بها ذنوبها، ثم لا ينفعها أحد من الخلق، لا قريب ولا صديق، ولا يتولاها من دون الله أحد، ولا يشفع لها شافع وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ أي: تفتدي بكل فداء، ولو بملء الأرض ذهبا لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أي: لا يقبل ولا يفيد. أُولَئِكَ الموصوفون بما ذكر الَّذِينَ أُبْسِلُوا أي: أهلكوا وأيسوا من الخير، وذلك بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ أي: ماء حار قد انتهى حره، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ |
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(71) التفسير المختصر: قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: أنعبد من دون الله أوثانًا لا تملك نفعًا فتنفعنا ولا ضرًّا فتضرنا، ونرتد عن الإيمان بعد أن وفقنا الله له، فنكون مثل الذي أضلَّته الشياطين، فتركته حيران لا يهتدي سبيلًا، وله أصحاب على الطريق المستقيم يدعونه إلى الحق، وهو يمتنع عن إجابتهم إلى ما يدعونه إليه؟ قل لهم - أيها الرسول-: إنَّ هدى الله هو الهدى الحق، وقد أمرنا الله أن ننقاد له سبحانه وتعالى بالتزام توحيده وعبادته وحده، فهو رب العالمين. تفسير الجلالين: «قل أندعوا» أنعبد «من دون الله ما لا ينفعنا» بعبادته «ولا يضرنا» بتركها وهو الأصنام «ونُرد على أعقابنا» نرجع مشركين «بعد إذ هدانا الله» إلى الإسلام «كالذي استهوته» أضلته «الشياطين في الأرض حيران» متحيرا لا يدري أين يذهب حال من الهاء «له أصحاب» رفقة «يدعونه إلى الهدى» أي ليهدوه الطريق يقولون له «ائتنا» فلا يجيبهم فيهلك والاستفهام للإنكار وجمله التشبيه حال من ضمير نرد «قل إن هدى الله» الذي هو الإسلام «هو الهدى» وما عداه ضلال «وأمرنا لنسلم» أي بأن نسلم «لرب العالمين». تفسير السعدي: قُلْ يا أيها الرسول للمشركين بالله، الداعين معه غيره، الذين يدعونكم إلى دينهم، مبينا وشارحا لوصف آلهتهم، التي يكتفي العاقل بذكر وصفها، عن النهي عنها، فإن كل عاقل إذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه، قبل أن تقام البراهين على ذلك، فقال: أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وهذا وصف، يدخل فيه كل مَن عُبِد مِنْ دون الله، فإنه لا ينفع ولا يضر، وليس له من الأمر شيء، إن الأمر إلا لله. وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ أي: وننقلب بعد هداية الله لنا إلى الضلال، ومن الرشد إلى الغي، ومن الصراط الموصل إلى جنات النعيم، إلى الطرق التي تفضي بسالكها إلى العذاب الأليم. فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد، وصاحبها كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ أي: أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه له الموصل إلى مقصده. فبقي حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى والشياطين يدعونه إلى الردى، فبقي بين الداعيين حائرا وهذه حال الناس كلهم، إلا من عصمه الله تعالى، فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة، دواعي الرسالة والعقل الصحيح، والفطرة المستقيمة يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى والصعود إلى أعلى عليين. ودواعي الشيطان، ومن سلك مسلكه، والنفس الأمارة بالسوء، يدعونه إلى الضلال، والنزول إلى أسفل سافلين، فمن الناس من يكون مع داعي الهدى، في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع، تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. وقوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى أي: ليس الهدى إلا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله، وما عداه، فهو ضلال وردى وهلاك. وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ بأن ننقاد لتوحيده، ونستسلم لأوامره ونواهيه، وندخل تحت عبوديته، فإن هذا أفضل نعمة أنعم الله بها على العباد، وأكمل تربية أوصلها إليهم. |
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(72) التفسير المختصر: وقد أَمَرنا بإقامة الصلاة على الوجه الأكمل، وأَمَرنا بتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فهو وحده الذي يُجْمَع العباد إليه يوم القيامة ليجازيهم على أعمالهم. تفسير الجلالين: «وأن» أي بأن «أقيموا الصلاة واتقوه» تعالى «وهو الذي إليه تحشرون» تجمعون يوم القيامة للحساب. تفسير السعدي: وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أي: وأمرنا أن نقيم الصلاة بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها. وَاتَّقُوهُ بفعل ما أمر به، واجتناب ما عنه نهى. وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي: تُجْمَعون ليوم القيامة، فيجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها. |
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(73) التفسير المختصر: وهو سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات والأرض بالحق، يوم يقول الله للشيء: كن فيكون، حين يقول يوم القيامة: قوموا فيقومون، قوله الصدق الذي سيقع لا محالة، وله سبحانه وتعالى وحده الملك يوم القيامة حين يَنْفُخُ إسرافيل في القَرْن النفخة الثانية، عالم ما غاب وعالم ما شوهد، وهو الحكيم في خلقه وتدبيره، الخبير الذي لا يخفى عليه شيء، فبواطن الأمور عنده كظواهرها. تفسير الجلالين: «وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق» أي محقا «و» اذكر «يوم يقول» للشيء «كن فيكون» هو يوم القيامة يقول للخلق قوموا «قولُه الحق» الصدق الواقع لا محالة «وله الملك يوم ينفخ في الصور» القرن النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره (لمن الملك اليوم؟ لله) «عالُم الغيب والشهادة» ما غاب وما شوهد «وهو الحكيم» في خلقه «الخبير» بباطن الأشياء كظاهرها. تفسير السعدي: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم، وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ الذي لا مرية فيه ولا مثنوية، ولا يقول شيئا عبثا وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ أي: يوم القيامة، خصه بالذكر –مع أنه مالك كل شيء- لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الذي له الحكمة التامة، والنعمة السابغة، والإحسان العظيم، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. |
۞ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(74) التفسير المختصر: واذكر - أيها الرسول - حين قال إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك آزر: يا أبتِ، أتجعل الأصنام آلهة تعبدها من دون الله؟! إني أراك وقومك الذين يعبدون الأوثان في ضلال بَيِّنٍ، وحيرة عن طريق الحق بسبب عبادتكم غير الله، فهو سبحانه المعبود بحق، وغيره معبود بالباطل. تفسير الجلالين: «و» اذكر «إذ قال إبراهيم لأبيه آزرَ» هو لقبه واسمه تارخ «أتتخذ أصناما آلهة» تعبدها إستفهام توبيخ «إني أراك وقومك» باتخاذها «في ضلال» عن الحق «مبين» بيِّن. تفسير السعدي: يقول تعالى: واذكر قصة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، مثنيا عليه ومعظما في حال دعوته إلى التوحيد، ونهيه عن الشرك، وإذ قال لأبيه آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً أي: لا تنفع ولا تضر وليس لها من الأمر شيء، إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ حيث عبدتم من لا يستحق من العبادة شيئا، وتركتم عبادة خالقكم، ورازقكم، ومدبركم. |
وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) التفسير المختصر: وكما أريناه ضلال أبيه وقومه نريه ملك السماوات والأرض الواسع؛ ليستدل بذلك الملك الواسع على وحدانية الله واستحقاقه العبادة وحده؛ ليكون من الموقنين بأن الله واحد لا شريك له، وأنه قادر على كل شيء. تفسير الجلالين: «وكذلك» كما أريناه إضلال أبيه وقومه «نري إبراهيم ملكوت» ملك «السماوات والأرض» ليستدل به على وحدانيتنا «وليكون من الموقنين» بها وجملة وكذلك وما بعدها اعتراض وعطف على قال. تفسير السعدي: وَكَذَلِكَ حين وفقناه للتوحيد والدعوة إليه نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي: ليرى ببصيرته، ما اشتملت عليه من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فإنه بحسب قيام الأدلة، يحصل له الإيقان والعلم التام بجميع المطالب. |
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ(76) التفسير المختصر: فحين أظلم عليه الليل، رأى كوكبًا، فقال: هذا ربي، فلما غاب الكوكب قال: لا أحب من يغيب؛ لأن الإله الحق حاضر لا يغيب. تفسير الجلالين: «فلما جن» أظلم «عليه الليل رأى كوكبا» قيل هو الزهرة «قال» لقومه وكانوا نجامين «هذا ربي» في زعمكم «فما أفل» غاب «قال لا أحب الآفلين» أن أتخذهم أربابا لأن الرب لا يجوز عليه التغير والانتقال لأنهما من شأن الحوادث فلم ينجع فيهم ذلك. تفسير السعدي: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ أي: أظلم رَأَى كَوْكَبًا لعله من الكواكب المضيئة، لأن تخصيصه بالذكر، يدل على زيادته عن غيره، ولهذا -والله أعلم- قال من قال: إنه الزهرة. قَالَ هَذَا رَبِّي أي: على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان. فَلَمَّا أَفَلَ أي: غاب ذلك الكوكب قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ أي: الذي يغيب ويختفي عمن عبده، فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شئونه، فأما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب، فمن أين يستحق العبادة؟! وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه، وأبطل الباطل؟! |
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) التفسير المختصر: وحين رأى القمر طالعًا قال: هذا ربي، فلما غاب قال: لئن لم يوفقني الله لتوحيده وعبادته وحده لأكونن من القوم البعيدين عن دينه الحق. تفسير الجلالين: «فما رأى القمر بازغا» طالعا «قال» لهم «هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي» يثبتني على الهدى «لأكوننَّ من القوم الضَّالين» تعريض لقومه بأنهم على ضلال فلم ينجع فيهم ذلك. تفسير السعدي: فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا أي: طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها قَالَ هَذَا رَبِّي تنزلا. فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فافتقر غاية الافتقار إلى هداية ربه، وعلم أنه إن لم يهده الله فلا هادي له، وإن لم يعنه على طاعته، فلا معين له. |
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) التفسير المختصر: وحين رأى الشمس طالعة قال: هذا الطالع ربي، هذا الطالع أكبر من الكوكب ومن القمر، فلما غابت قال: يا قوم، إني بريء مما تشركون مع الله. تفسير الجلالين: «فلما رأى الشمس بازغة قال هذا» ذكره لتذكير خبره «ربي هذا أكبر» من الكواكب والقمر «فلما أفلت» وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا «قال يا قوم إني بريء مما تشركون» بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث فقالوا له ما تبعد؟. تفسير السعدي: فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ من الكوكب ومن القمر. فَلَمَّا أَفَلَتْ تقرر حينئذ الهدى، واضمحل الردى ف قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلانه. |
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79) التفسير المختصر: إني أخلصت ديني للذي خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق، مائلًا عن الشرك إلى التوحيد الخالص، ولست من المشركين الذين يعبدون معه غيره. تفسير الجلالين: قال «إني وجهت وجهي» قصدت بعبادتي «للذي فطر» خلق «السماوات والأرض» أي الله «حنيفا» مائلا إلى الدين القيم «وما أنا من المشركين» به. تفسير السعدي: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا أي: لله وحده، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه. وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد، وأقام على ذلك البرهان [وهذا الذي ذكرنا في تفسير هذه الآيات، هو الصواب، وهو أن المقام مقام مناظرة، من إبراهيم لقومه، وبيان بطلان إلهية هذه الأجرام العلوية وغيرها. وأما من قال: إنه مقام نظر في حال طفوليته، فليس عليه دليل] |
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ(80) التفسير المختصر: وخاصمه قومه المشركون في توحيد الله سبحانه، وخَوَّفُوهُ من أصنامهم، فقال لهم: أتخاصمونني في توحيد الله وإفراده بالعبادة، وقد وفقني ربي إليه، ولست أخاف من أصنامكم، فإنها لا تملك ضُرًّا فَتَضُرَّنِي ولا نفعًا فَتَنْفَعَنِي إلا أن يشاء الله، فما شاء الله كائن، ومع عِلْم الله كلَّ شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، أفلا تتذكرون - يا قوم - ما أنتم عليه من الكفر بالله والشرك به فتؤمنوا بالله وحده؟! تفسير الجلالين: «وحاجَّه قومه» جادلوه في دينه وهدَّدوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها «قال أتُحَآجُّونِّي» بتشديد النون وتخفيفها بحذف إحدى النونين وهي نون الرفع عند النحاة ونون الوقاية عند القراء أتجادلونني «في» وحدانية «الله وقد هدان» تعالى إليها «ولا أخاف ما تشركونـ» ـه «به» من الأصنام أن تصيبني بسوء لعدم قدرتها على شيء «إلا» لكن «أن يشاء ربي شيئا» من المكروه يصيبني فيكون «وسع ربي كل شيء علما» أي وسع علمه كل شيء «أفلا تتذكرون» هذا فتؤمنون. تفسير السعدي: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ أيُّ فائدة لمحاجة من لم يتبين له الهدى؟ فأما من هداه الله، ووصل إلى أعلى درجات اليقين، فإنه –هو بنفسه- يدعو الناس إلى ما هو عليه. وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ فإنها لن تضرني، ولن تمنع عني من النفع شيئا. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ فتعلمون أنه وحده المعبود المستحق للعبودية. |
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) التفسير المختصر: وكيف يقع مني خوف لما تعبدون من دون الله من أوثان، ولا يقع منكم أنتم خوف لشرككم بالله حين أشركتم معه ما خلقه دون برهان لكم على ذلك؟! فأيّ الْجَمْعَيْنِ -جَمْعِ الموحِّدين وجَمْعِ المشركين- أولى بالأمن والسلامة؟ إن كنتم تعلمون أَوْلاهما فاتبعوه، وأَوْلاهما - دون ريب - هو جمع المؤمنين الموحدين. تفسير الجلالين: «وكيف أخاف ما أشركتم» بالله وهي لا تضر ولا تنفع «ولا تخافونَ» أنتم من الله «أنكم أشركتم بالله» في العبادة «ما لم ينزِّل به» بعبادته «عليكم سلطانا» حجة وبرهانا وهو القادر على كل شيء «فأي الفريقيْن أحق بالأمن» أنحن أم أنتم «إن كنتم تعلمون» مَن الحق به: أي وهو نحن فاتبعوه، قال تعالى. تفسير السعدي: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وحالها حال العجز، وعدم النفع، وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا أي: إلا بمجرد اتباع الهوى. فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ |
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82) التفسير المختصر: الذين آمنوا بالله، واتبعوا ما شرع، ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، لهم الأمن والسلامة وحدهم دون غيرهم، وهم موفقون، وفقهم ربهم لطريق الهداية. تفسير الجلالين: «الذين آمنوا ولم يلبسوا» يخلطوا «إيمانهم بظلم» أي شرك كما فسر بذلك في حديث الصحيحين «أولئك لهم الأمن» من العذاب «وهم مهتدون». تفسير السعدي: قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا أي: يخلطوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك، ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة. وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها. ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء. |
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83) التفسير المختصر: وتلك الحجة وهي قوله: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ...﴾ التي غلب إبراهيم بها قومه حتى انقطعت حجتهم، هي حجتنا وفَّقْناه لمُحاجَّة قومه بها، وأعطيناه إياها، نرفع من نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة، إن ربك - أيها الرسول - حكيم في خلقه وتدبيره، عليم بعباده. تفسير الجلالين: «وتلك» مبتدأ ويبدل منه «حجتنا» التي احتج بها إبراهيم على وحدانية الله من أفول الكوكب وما بعده والخبر «آتيناها إبراهيم» أرشدناه لها حجة «على قومه نرفع درجات من نشاء» بالإضافة والتنوين في العلم والحكمة «إن ربك حكيم» في صنعه «عليم» بخلقه. تفسير السعدي: ولما حكم لإبراهيم عليه السلام، بما بين به من البراهين القاطعة قال: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ أي: علا بها عليهم، وفلجهم بها. نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة، فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات. خصوصا العالم العامل المعلم، فإنه يجعله الله إماما للناس، بحسب حاله ترمق أفعاله، وتقتفى آثاره، ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره. قال تعالى يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ فلا يضع العلم والحكمة، إلا في المحل اللائق بها، وهو أعلم بذلك المحل، وبما ينبغي له. |
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(84) التفسير المختصر: ورزقنا إبراهيم ابنه إسحاق وحفيده يعقوب، ووفقنا كلًّا منهما للصراط المستقيم، ووفقنا نوحًا من قبلهم، ووفقنا لطريق الحق من ذرية نوح كلًّا من داود وابنه سليمان وأيوب ويوسف وموسى وأخيه هارون عليهم السلام، ومثل هذا الجزاء الذي جازينا به الأنبياء على إحسانهم نجازي به المحسنين من غيرهم على إحسانهم. تفسير الجلالين: «وهبنا له إسحاق ويعقوب» ابنه «كلا» منهما «هدينا ونوحا هدينا من قبل» أي قبل إبراهيم «ومن ذريته» أي نوح «داوود وسليمان» ابنه «وأيوب ويوسف» ابن يعقوب «وموسى وهارون وكذلك» كما جزيناهم «نجزي المحسنين». تفسير السعدي: لما ذكر الله تعالى عبده وخليله، إبراهيم عليه السلام، وذكر ما مَنَّ الله عليه به، من العلم والدعوة، والصبر، ذكر ما أكرمه الله به من الذرية الصالحة، والنسل الطيب. وأن الله جعل صفوة الخلق من نسله، وأعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة، التي لا يدرك لها نظير فقال: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ابنه، الذي هو إسرائيل، أبو الشعب الذي فضله الله على العالمين. كُلًّا منهما هَدَيْنَا الصراط المستقيم، في علمه وعمله. وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وهدايته من أنواع الهدايات الخاصة التي لم تحصل إلا لأفراد من العالم؛ وهم أولو العزم من الرسل، الذي هو أحدهم. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ يحتمل أن الضمير عائد إلى نوح، لأنه أقرب مذكور، ولأن الله ذكر مع من ذكر لوطا، وهو من ذرية نوح، لا من ذرية إبراهيم لأنه ابن أخيه. ويحتمل أن الضمير يعود إلى إبراهيم لأن السياق في مدحه والثناء عليه، ولوط -وإن لم يكن من ذريته- فإنه ممن آمن على يده، فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك، أبلغ من كونه مجرد ابن له. دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ بن داود وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ بن يعقوب. وَمُوسَى وَهَارُونَ ابني عمران، وَكَذَلِكَ كما أصلحنا ذرية إبراهيم الخليل، لأنه أحسن في عبادة ربه، وأحسن في نفع الخلق كذلك نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ بأن نجعل لهم من الثناء الصدق، والذرية الصالحة، بحسب إحسانهم. |
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ(85) التفسير المختصر: ووفقنا كذلك كلًّا من زكريا ويحيى وعيسى بن مريم وإلياس عليهم السلام، وكل هؤلاء الأنبياء من الصالحين اختارهم الله رسلًا. تفسير الجلالين: «وزكريا ويحيى» ابنه «وعيسى» ابن مريم يفيد أن الذرية تتناول أولاد البنت «وإلياس» ابن أخي هارون أخي موسى «كل» منهم «من الصالحين». تفسير السعدي: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى ابنه وَعِيسَى ابن مريم. وَإِلْيَاسَ كُلٌّ هؤلاء مِنَ الصَّالِحِينَ في أخلاقهم وأعمالهم وعلومهم، بل هم سادة الصالحين وقادتهم وأئمتهم. |
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ(86) التفسير المختصر: ووفقنا كذلك إسماعيل واليسع ويونس ولوطًا عليهم السلام، وكل هؤلاء الأنبياء وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فضلناهم على العالمين. تفسير الجلالين: «وإسماعيل» بن إبراهيم «واليسع» اللام زائدة «ويونس ولوطا» بن هاران أخي إبراهيم «وكلا» منهم «فضَّلنا على العالمين» بالنبوة. تفسير السعدي: وَإِسْمَاعِيلَ بن إبراهيم أبو الشعب الذي هو أفضل الشعوب، وهو الشعب العربي، ووالد سيد ولد آدم، محمد صلى الله عليه وسلم. وَيُونُسَ بن متى وَلُوطًا بن هاران، أخي إبراهيم. وَكُلَا من هؤلاء الأنبياء والمرسلين فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ لأن درجات الفضائل أربع – وهي التي ذكرها الله بقوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فهؤلاء من الدرجة العليا، بل هم أفضل الرسل على الإطلاق، فالرسل الذين قصهم الله في كتابه، أفضل ممن لم يقص علينا نبأهم بلا شك. |
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(87) التفسير المختصر: ووفقنا بعض آبائهم وبعض أبنائهم وبعض إخوانهم ممن شئنا توفيقه، واخترناهم، ووفقناهم لسلوك الطريق المستقيم الذي هو طريق توحيد الله وطاعته. تفسير الجلالين: «ومن آبائهم وذرِّيَّاتهم وإخوانهم» عطف على كلا أو نوحا ومن للتبعيض لأن بعضهم لم يكن له ولد وبعضهم كان في ولده كافر «واجتبيناهم» إخترناهم «وهديناهم إلى صراط مستقيم». تفسير السعدي: وَمِنْ آبَائِهِمْ أي: آباء هؤلاء المذكورين وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ أي: وهدينا من آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم. وَاجْتَبَيْنَاهُمْ أي: اخترناهم وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ |
ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(88) التفسير المختصر: ذلك الذي حصل لهم من التوفيق هو توفيق الله يوفق له من شاء من عباده، ولو أشركوا مع الله غيره لبطل عملهم؛ لأن الشرك مبطل للعمل الصالح. تفسير الجلالين: «ذلك» الذين هُدوا إليه «هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا» فرضا «لحبط عنهم ما كانوا يعلمون». تفسير السعدي: ذَلِكَ الهدى المذكور هُدَى اللَّهِ الذي لا هدى إلا هداه. يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فاطلبوا منه الهدى فإنه إن لم يهدكم فلا هادي لكم غيره، وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون. وَلَوْ أَشْرَكُوا على الفرض والتقدير لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فإن الشرك محبط للعمل، موجب للخلود في النار. فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار، لو أشركوا - وحاشاهم- لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى. |
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ(89) التفسير المختصر: أولئك الأنبياء المذكورون هم الذين أعطيناهم الكتب، وأعطيناهم الحكمة، وأعطيناهم النبوة، فإن يكفر قومك بما أعطيناهم من هذه الثلاثة فقد هيأنا لها وأرصدنا قومًا ليسوا بكافرين بها، بل هم مؤمنون مستمسكون بها، وهم المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين. تفسير الجلالين: «أولئك الذين آتيناهم الكتاب» بمعنى الكتب «والحكم» الحكمة «والنبوة فإن يكفر بها» أي بهذه الثلاثة «هؤلاء» أي أهل مكة «فقد وكَّلنا بها» أرصدنا لها «قوما ليسوا بها بكافرين» هم المهاجرون والأنصار. تفسير السعدي: فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار، لو أشركوا - وحاشاهم- لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى. |
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ(90) التفسير المختصر: أولئك الأنبياء، ومن ذُكِرَ معهم من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم، هم أهل الهداية حقًّا، فَاتَّبِعْهُم وتَأَسَّ بهم، وقل - أيها الرسول - لقومك: لا أطلب منكم على إبلاغ هذا القرآن جزاء، فالقرآن ليس إلا موعظة للعالمين من الإنس والجن ليسترشدوا به إلى الصراط المستقيم، والطريق الصحيح. تفسير الجلالين: «أولئك الذين هدى» هم «الله فبهداهم» طريقهم من التوحيد والصبر «اقتده» بهاء السكت وقفا ووصلا وفي قراءة بحذفها وصلا «قل» لأهل مكة «لا أسألكم عليه» أي القرآن «أجرا» تعطونيه «إن هو» ما القرآن «إلا ذكرى» عظة «للعالمين» الإنس والجن. تفسير السعدي: أُولَئِكَ المذكورون الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ أي: امش -أيها الرسول الكريم- خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وبهذا الملحظ، استدل بهذه من استدل من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الرسل كلهم. قُلْ للذين أعرضوا عن دعوتك: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا أي: لا أطلب منكم مغرما ومالا، جزاء عن إبلاغي إياكم، ودعوتي لكم فيكون من أسباب امتناعكم، إن أجري إلا على الله. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ يتذكرون به ما ينفعهم، فيفعلونه، وما يضرهم، فيذرونه، ويتذكرون به معرفة ربهم بأسمائه وأوصافه. ويتذكرون به الأخلاق الحميدة، والطرق الموصلة إليها، والأخلاق الرذيلة، والطرق المفضية إليها، فإذا كان ذكرى للعالمين، كان أعظم نعمة أنعم الله بها عليهم، فعليهم قبولها والشكر عليها. |